ولا نُسلِّم[1] أنّ للقصد والشعور مدخلاً في خبريّة الكلام, فإنّ قول المجنون أو النائم أو الساهي: زيد قائم كلام ليس بإنشاء فيكون خبراً ضرورة أنه لا يعرف بينهما واسطة وفيه بحث[2] واعلم أنّ المشهور[3] فيما بين القوم أنّ احتمال الصدق والكذب من خواصّ الخبر لا يجري في غيره[4] من المركّبات مثل الغلام الذي لزيد و يا زيد الفاضل ونحو ذلك ممّا يشتمل على نسبةٍ, وذكر بعضهم أنه لا فرق بين النسبة في المركّب الإخباريِّ وغيرِه[5]
[1] قوله: [ولا نُسلِّم إلخ] ردٌّ على الجواب الذي أشير إليه في السؤال, وحاصل الردّ أنّ مبنى هذا الجواب على أنّ القصد والشعور معتبر في خبَريّة الكلام ولا نُسلِّم ذلك. قوله فإنّ قول المجنون إلخ دليل لعدم التسليم, وحاصله أنّ كلام هؤلاء الذِينَ لا قصد لهم كلام لا محالة لصدق تعريف الكلام عليه وليس بإنشاء وهو ظاهر فيكون خبراً وإلاّ لبطل حصر الكلام في الإنشاء والخبر ولزم الواسطة بينهما.
[2] قوله: [وفيه بحث] وذلك لجواز أن يكون حصر الكلام في الخبر والإنشاء حصراً للكلام الحقيقيّ على زعم هذا القائل أي: الصادر عن قصد وشعور, وكلامُ المجنون ليس كلاماً حقيقةً بل صورةً لاشتماله على المسندَين والإسناد, ولجواز أن يكون انحصار الكلام فيهما باطلاً عنده ويكون قول المجنون واسطة بينهما, والجواب عن الأوّل أنّ الكلام عند أرباب المعاني ما اشتمل على المسندَين والإسناد وكلامُ المجنون كذلك فهو كلام حقيقةً, وعن الثاني أنّ حصر الكلام فيهما عقليّ بأنّ الكلام إن كان لنسبته خارج فخبر وإلاّ فإنشاء, فلا ثالث ولا جواز للواسطة أصلاً, نعم! لو أريد تجديد اصطلاح فلا مُشاحة.
[3] قوله: [واعلم أنّ المشهور إلخ] تنبيهٌ متمِّم لبحث الصدق والكذب, وفيه إحقاقٌ للحقّ وهو أنّ الصدق والكذب مختصّان بالخبر كما هو المشهور فيما بين القوم وعليه يدلّ قول المصـ في تعريف الخبر: إن كان لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه فخبر وفي تعريف الصدق والكذب: صدق الخبر مطابقته للواقع وكذبه عدمها, وإبطالٌ للباطل وهو أنهما يجريان في المركّبات التقييديّة أيضاً كما ذهب إليه البعض.
[4] قوله: [لا يجري في غيره] تصريح بما يعلم ضمناً من قوله من خواصّ الخبر إذ خاصّة الشيء ما يوجد فيه ولا يوجد في غيره. قوله من المركّبات بيانٌ للغير.
[5] قوله: [وغيرِه] أي: وبين النسبة في غير المركّب الإخباريّ من المركَّبات التقييديّة, يعني لا فرق بين النسبتين يختلف به المركَّب الإخباريّ والمركَّب التقييديّ في احتمال الصدق والكذب وعدم احتمالهما فكلٌّ منهما يحتمل كلاًّ منهما.