الفرائد, فجعلتُه تحفةً لحضرته العليّة[1], وخدمةً لسُدّته السَّنيّة, لا زالت ملجأ لطوائف الأنام, ومَلاذاً لهم من حوادث الأيّام, وحِصناً حَصيناً[2] للإسلام, بالنَّبيِّ وآله[3] عليه وعليهم السلام, والمرجوّ من خُلاّني وخُلّص إخواني أنْ يُشيِّعوني بصالح الدعاء, ويشكروا[4] لي بما عانيتُ في هذا التأليف من الكَدّ والعَناء, وإلى الله أتضرّع[5] في أن ينفع به المُحصِّلينَ الذين هم للحقّ طالبون, وعن طريق العِناد ناكبون, وغرضهم تحصيل الحقّ المبين, لا تصوير الباطل بصورة اليقين, وهذا[6] لعَمْري موصوف عزيز المَرام, قليل الوجود في هذه
[1] قوله: [لحضرته العليّة] حضرة الرجل قربه وفناؤه وهي كناية عن نفس الرجل, والعليّة المرتفعة, والخدمة مصدر وحملها على الكتاب مجاز, والسدّة باب الدار, والسنيّة الرفيعة.
[2] قوله: [حِصناً حَصيناً] الحصن ما يتحصّن به من العدوّ ويتحفّظ به وتوصيفه بالحصين للمبالغة فإنّ العرب إذا أرادوا المبالغة في وصف شيء يشتقّون من لفظه ما يتبعونه به تأكيداً وتنبيهاً على تناهيه في ذلك الوصف, ومن ذلك قولهم: ظلّ ظليل والعرب العرباء وشعرشاعر.
[3] قوله: [بالنّبيّ وآله] أي: بوسيلة النبيّ وآله. قوله خُلاّني جمع الخليل وهو الصَديق. قوله وخُلَّص جمع الخالص, وإضافته إلى إخواني من إضافة الصفة إلى الموصوف, والإخوان الخُلّص الذين خلا وُدُّهم عن شوائب النفاق. قوله أن يُشيِّعوني إلخ أي: أن يجعلوني مصاحباً بالدعاء الصالح.
[4] قوله: [ويشكروا] الشكر الثناء على المحسن بما أعطى من المعروف, والباء في بما عانيت للمقابلة, والمعاناة رنج كشيدن. قوله من الكَدّ بيان لـمَا والكدّ المشقّة. قوله والعَناء عطف تفسير.
[5] قوله: [وإلى الله أتضرّع] التضرّع زاري كردن, وتقديم الجارّ والمجرور للحصر أي: لا إلى غيره. قوله المُحصِّلينَ أي: المريدين للتحصيل. قوله للحقّ طالبون تقديم الجارّ للحصر ولرعاية السجع. قوله ناكبون من نكب عن الطريق أي: عدل. قوله المُبِين من الإبانة وهي الظهور. قوله لا تصوير الباطل بصورة اليقين كما هو شأن الحاسدين والمرائين والمجادلين والمتكبِّرين.
[6] قوله: [وهذا] إشارة إلى الحقّ المُبِين. قوله لعَمْري على حذف المضاف أي: لواهب عمري, وهذا اعتراض بين المبتدأ والخبر. قوله عزيز المَرام العزّة خلاف الذلّ والمراد بها القلّة. والمَرام مصدر ميميّ من رام يروم روماً أي: الحقّ المبين قليل الطلب بل قليل الوجود في هذه الأيّام.