وهما شجرتان بالبادية[1] يعني يقيمون بالبادية لأنّ فقد العزّ في الحضر (أو التعريضِ بغباوة السامع) حتّى كأنه[2] لا يُدرِك غيرَ المحسوس (كقوله) أي: قول الفَرَزْدَق (أُولَئِكَ آبَائِيْ فَجِئْنِيْ بِمِثْلِهِمْ *) هذا الأمر للتعجيز[3] كقوله تعالى: ﴿فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ﴾ [البقرة:٢٣] (إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيْرُ الْمَجَامِعُ, أو بيانِ حاله) أي: المسند إليه (في القرب أو البعد أو التوسّط كقولك هذا أو ذلك أو ذاك زيدٌ ) أخّر ذكرَ التوسّط[4] لأنه إنّما يتحقّق بعد تحقّق الطرفين, فإن قلت[5]: كون ذا للقريب و ذلك للبعيد و ذاك للمتوسّط ممّا يقرّره الوضع واللغة
[1] قوله: [وهما شجرتان بالبادية] فالضَالُ نوع من الشجر وهو السدر البري, والمفرد الضالة, والسَلَمُ نوع آخر من الشجر وهو الغضا وهو شجر له شوك عظيم, والمفرد السلمة. قوله يعني يقيمون في البادية تفسير المراد لقوله بين الضال والسلم. قوله لأنّ فقد العزّ في الحضر إشارة إلى أنّ وصفهم بكونهم من سكّان البادية وصفهم بالعزّ لأنّ مَن كان في الحضر تناله ذلّة الحكّام بخلاف من كان في البادية, ويحتمل أن يكون وصفهم به وصفهم بكمال الفصاحة والبلاغة, والشاهد في هذا أبو الصقر حيث أورد المسند إليه اسم الإشارة لقصد تمييزه أكمل تمييز لغرض مدحه بالانفراد في المحاسن والعزّ.
[2] قوله: [حتّى كأنه إلخ] يعني قد يُعرِّض المتكلِّم بمجيئه باسم الإشارة بغباوة السامع بأنه بلغ في الغباوة إلى أنه لا يُدرِك غيرَ المحسوس بحاسّة البصر الذي وضع له اسم الإشارة.
[3] قوله: [هذا الأمر للتعجيز] دفعٌ لما يُمكِن أن يقال من أنّ صيغة الأمر تقتضي إمكان المأمور به فيفهم من قوله فجئني بمثلهم إمكان مجيء جرير بمثل آباء الفرزدق فلا يحصل منه ما قصده به من الطعن في نسب جرير, وحاصل الدفع أنّ الأمر هنا للتعجيز أي: لإظهار عجز المأمور عن الإتيان بالمأمور به كما في قوله تعالى: ﴿فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ﴾ فالمقصود حاصل بلا ريب.
[4] قوله: [أخّر ذكرَ التوسّط إلخ] دفعٌ لما يرد من أنّ الترتيب الطبعيّ يقتضي أن يُوسَّط ذكر التوسّط ويُذكَر ذاك في الوسط, وحاصل الدفع أنه راعى ترتيب التحقّق وظاهر أنّ التوسّط لكونه نسبة إنّما يتحقّق بعد تحقّق الطرفين إذ ما لم يتعيّن المبدأ والمنتهى لا يتعيّن الوسط, والعبرة لما يعتبره المتكلِّم.
[5] قوله: [فإن قلت إلخ] اعتراض يرد على ما ذكره المصـ وحاصله أنّ البحث عن كون ذا للقريب مثلاً من وظائف اللغة فلا يليق بعلم المعاني لأنه إنّما يبحث عن المعاني الزوائد على أصل المراد.