وقد يُقصَد به[1] تعظيم المُشِير كقول الأمير لبعض حاضريه: ذلك قال كذا (أو تحقيرِه) بالبعد (كما يقال: ذلك اللعين فعل كذا ) تنزيلاً لبُعدِه[2] عن ساحة عِزّ الحُضور والخِطاب وسفالةِ محلّه منزلةَ بُعد المَسافة, ولفظ ذلك [3] صالح للإشارة إلى كلّ غائب عيناً كان أو معنى بأن يُحكَى عنه أوّلاً ثُمّ يُشارَ إليه نحو: جاءني رجل فقال ذلك الرجل و ضربني زيد فهالني ذلك الضرب لأنّ المَحكيّ عنه غائب[4] ويجوز على قلّةٍ لفظُ الحاضر[5] نحو: فقال هذا الرجل و هالني هذا الضرب أي: هذا المذكور عن قريب فهو وإن كان غائباً لكن جَرَى ذكره عن قريب فكأنه حاضر,.................................................
[1] قوله: [وقد يُقصَد به إلخ] أي: وقد يُقصَد باسم الإشارة للبعيد تعظيم المُشِير كقول الأمير: ذلك قال كذا مُشِيراً بـذلك إلى نفسه تنزيلاً لبُعد مرتبته منزلةَ بُعد المَسافة.
[2] قوله: [تنزيلاً لبُعده إلخ] أي: استعمل اسم الإشارة للبعيد في الحاضر تنزيلاً لبُعده إلخ, وإضافة العزّ إلى الحضور من إضافة الصفة إلى الموصوف, وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبّه الحضور بدار عزيزة وأثبت له الساحة تخييلاً. قوله وسفالةِ محلّه عطف تفسير لـبُعدِه عن ساحة الحضور, ويُفهَم من هنا أنه قد يُقصَد التعظيم بالقرب بأن يُنزَّل قربه من ساحة عزّ الحضور منزلة قرب المسافة فيُعبَّر عنه باسم الإشارة للقريب نحو هذا علّمني, ونظيره قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَٰذَا بَٰطِلٗا﴾ [آل عمران:١٩١].
[3] قوله: [ولفظ ذلك إلخ] المقصود به مجرّد إفادة فائدة, وحاصله أنّ ذلك وإن كان موضوعاً للبعيد المُبصَر لكن يصلح لأن يُستعمَل مجازاً في الغائب الغير المُبصَر ذاتاً كان أو معنى. قوله بأن يُحكَى عنه إلخ فينزل الحكايةُ عنه وتقدّمُ الذكر منزلة الإبصار وغيبتُه منزلة البُعد فيكون بمنزلة البعيد المُبصَر فصلح ذلك للإشارة إليه. قوله ذلك الرجل مثال للعين الغائب. قوله ذلك الضرب مثال للمعنى الغائب.
[4] قوله: [لأنّ المَحكيّ عنه غائب] أي: وإنّما صلح لفظ ذلك الموضوع للبعيد المبصر للإشارة إلى مثل هذا الغائب لأنه لكونه غائباً كالبعيد ولتقدّم ذكره كالمُبصَر.
[5] قوله: [ويجوز على قلّةٍ لفظُ الحاضر] أي: ويجوز على قلّة أن يُشار إلى الغائب المذكور باللفظ الموضوع للمشار إليه القريب كأن يُشار في المثالَين المذكورَين إلى الرجلِ والضربِ بلفظ هذا. قوله فهو وإن كان غائباً إلخ أي: وإنّما جاز على قلّة استعمال لفظ هذا الموضوع للقريب المُبصَر في مثل هذا الغائب لأنه لتقدّم ذكره عن قريب صار كالقريب المُبصَر.