أنه إن أراد أنّ لبناء المرّة ونفس الكلمة مَدخلاً في إفادة التحقير فهذا لا ينافي كونَ التنكير للتحقير لأنه ممّا يقبل الشدّة والضعف, وإن أراد أنّ التحقير المستفاد من الآية مفهوم منهما بحيث لا مَدخل للتنكير أصلاً فممنوع للفرق الظاهر بين التحقير في نفحةٌ من العذاب وبينه في نفحةُ العذاب بالإضافة, وممّا يحتمل[1] التعظيمَ والتقليلَ قوله تعالى: ﴿إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ﴾ [مريم:٤٥] أي: عذاب هائل أو شيء من العذاب, ولا دلالة[2] للفظِ المَسّ وإضافةِ العذاب إلى الرحمن على ترجيح الثاني كما ذكره بعضهم[3] لقوله تعالى: ﴿لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [الأنفال:٦٨] ولأنّ العُقوبة من الكريم الحليم أشدّ لقوله عليه الصلوة والسلام: ((أعوذ بالله من غضب الحليم)) (ومن تنكير غيره) أي: غير
[1] قوله: [وممّا يحتمل إلخ] أي: ومن تنكير المسند إليه الذي يحتمل التعظيمَ والتقليلَ قوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام لآذر إلخ. قوله أي: عذاب هائل ناظر إلى التعظيم. قوله أو شيء من العذاب ناظر إلى التقليل.
[2] قوله: [ولا دلالة إلخ] دفعٌ لما يرد من أنّ المثال غير مطابق للممثَّل له لأنّ لفظَ المَسِّ يدلّ على تقليل المسند إليه لأنه يُنبِئ عن قلّة الإضافة وكذا إضافة العذاب إلى الرحمن تدلّ على خفّته فيكون تنكير عَذَابٌ للتقليل ولا يصحّ حمله على التعظيم.
[3] قوله: [كما ذكره بعضهم إلخ] من أنّ لفظ المسّ وإضافة العذاب إلى الرحمن يُرجِّح التقليل على التعظيم. قوله لقوله تعالى إلخ دليل لعدم دلالة لفظ المَسّ على ترجّح الثاني على الأوّل, وحاصله أنه لو كان لفظ المسّ دالاًّ على ترجّح الثاني لكان لفظ المسّ مُنافياً لتوصيف العذاب بالعظيم في هذه الآية, والتالي باطل فكذا المقدَّم. قوله ولأنّ العُقوبة إلخ دليل لعدم دلالة إضافة العذاب إلى الرحمن على ترجّح الثاني, وحاصله أنّ الرحيم الكريم الحليم لا يقدم على التعذيب إلاّ عند كمال استحقاق العبد العذاب وحينئذ يكون عُقوبته أشدّ وإليه الإشارةُ في عَوذ النبيّ عليه الصلاة والسلام بالله من غضب الحليم.