عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

بكونه مسنداً إليه مختصًّا بأن يَثبُت له المسند وهذا معنى قصر المسند عليه, ألا ترى[1] إلى قولهم في ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾: معناه نخصّك بالعبادة لا نعبد غيرك, ومن الناس مَن زَعَم[2] أنّ الفصل كما يكون لقصر المسند على المسند إليه يكون لقصر المسند إليه على المسند كما يدلّ عليه كلام صاحب "الكشّاف" في قوله تعالى: ﴿وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة:٥] حيث قال: إنّ معنى التعريف[3] في المفلحون الدلالة على أنّ المتّقين هم الذين إن حُصِّلتْ[4] لهم صفة المفلحين وتُحُقِّقوا ما هم وتُصُوِّروا بصورتهم الحقيقيّة فهم هم لا يعدون تلك


 



[1] قوله: [ألا ترى إلخ] تنويرٌ للمدّعى بشاهد آخر؛ فإنّ الباء في قولهم في بيان معنى التخصيص المستفاد من التقديم في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾: معناه نخصّك بالعبادة لا نعبد غيرَك داخلة على المقصور, فالحاصل أنّ ما بعد الباء هو المقصور عليه باعتبار أصل اللغة والعرف العامّ ولكنّ العرف الخاصّ والاصطلاح على خلاف ذلك وهو أنّ ما بعد الباء هو المقصور.

[2] قوله: [ومن الناس مَن زَعَم إلخ] ردٌّ على بعض العلماء الذين قالوا مستدلِّين بكلام "الكشّاف": إنّ الفصل كما يكون لقصر المسند كذلك يكون لقصر المسند إليه, وإطلاق الزعم بناءً على أنه لم يجئ الفصل في الاستعمال لقصر المسند إليه على المسند.

[3] قوله: [حيث قال: إنّ معنى التعريف إلخ] أفاد بهذا أنّ التعريف في المفلحون للجنس أي: للإشارة إلى معنى المفلحين الحاضرِ في ذهن كلّ أحد, فالمتّقون متّحدون بحقيقة المفلحون ولكنّ صحّة هذا الحكم مشروطة بتحصيل مفهوم المفلحين ممتازاً عن كلّ ما عداه, وبالعلم اليقينيّ بحقيقتهم, وبتصويرهم بالصورة التي تليق بتلك الحقيقة, وحينئذ لا قصر في الكلام لأنه فرع التغاير ولا تغاير بينهما.

[4] قوله: [إن حُصِّلتْ إلخ] شرطٌ جوابُه فهم هم, والجملة الشرطيّةُ صلة الذين, وصفة المفلحين عبارة عن مفهومه, وتُحُقِّقوا عطف على حُصِّلتْ من تحقّقتُ الشيءَ تيقّنتُه, وما هم جملةٌ استفهاميّة للسؤال عن الحقيقة واقعةٌ موقعَ المفعول الثاني لـتُحُقِّقوا, وتُصُوِّروا من تصوّرتُ الشيءَ جعلتُ له صورة لا بمعنى الإدراك, والضمير الأوّل في فهم هم للمتّقين والثاني للمفلحون, والموصول مُقحَم للتنبيه على أنّ هذا مجرّد تقدير للمبالغة في وصف المتّقين, وفي ترتيب الجزاء على الشرط المشتمل على الأمور الثلاثة تنبيه على أنّ إنكار هذا الحكم منشاؤه انتفاء أحد الأمور.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400