تُخِلّ بالفصاحة, لأنا نقول[1]: هذا أيضاً اصطلاح مذكور في كتبهم حيث قالوا: الوحشيّ منسوبٌ إلى الوحش الذي يسكن القِفار[2] استُعير للألفاظ التي لم يؤنس استعمالها[3] والوحشيّ[4] قسمان غريب حسن وغريب قبيح, فالغريب الحسن هو الذي لا يعاب استعماله على العرب[5] لأنه لم يكن وحشيًّا عندهم وذلك مثل شَرَنْبَث [6] و اشْمَخَرَّ
[1] قوله: [لأنا نقول إلخ] علّة النفي في لا يقال إلخ. قوله هذا أيضاً إلخ أي: كونُ المراد بالوحشيّة غيرَ ما ذكرتم وإطلاقُهم الغرابةَ عليه أيضاً اصطلاح مذكور في كتبهم كما أنّ ما ذكرتم اصطلاح, فقوله والوحشيّ قسمان إلخ عطف على مقول قالوا والمقول الأوّل لإثبات إطلاق الوحشيّة على غير ما ذكره المعترض والمقول الثاني لإثبات إطلاق الغرابة عليه.
[2] قوله: [الذي يسكن القِفار] جمع القَفْر وهو مكان لا ماء فيه ولا كلاء, وفي توصيف الوحش به إشارة إلى أنّ استعارة الوحشيّ لألفاظ غير مأنوسة الاستعمال بملاحظة هذه الحيثيّة.
[3] قوله: [استعير للألفاظ التي لم يؤنس استعمالها] هذا موضع الاستشهاد, وهذا هو المراد بالوحشيّ في تفسير الغرابة كما سيُصرِّح به, وهو ليس بأخصّ من الغرابة المُخِلّة ولا مبائناً لها فلا إيراد على التفسير.
[4] قوله: [والوحشيّ] ليس الوحشيّ هنا بالمعنى الذي ذكره الشارح ولا بالمعنى الذي ذكره المعترض لأنّ الوحشيّ بالمعنيين مُخِلّ بالفصاحة مع أنّ أحد القسمين غير مُخِلّ بها بل المراد أعمّ منهما وهو ما لا يكون ظاهرَ المعنى ولا مأنوسَ الاستعمال عند العرب أو غيرهم, ولذا أتى بالاسم الظاهر وقال والوحشيّ قسمان دون وهو قسمان لئلاّ يتوهّم أنّ مورِد القسمةِ الوحشيُّ بالمعنى المذكور سابقاً.
[5] قوله: [هو الذي لا يعاب استعماله على العرب] تفصيل المقام أنّ الألفاظ على ثلاثة أقسام أحدها ما هي مأنوسة عند العربِ العرباء وغيرِهم فلا يعاب استعمالها أصلاً كالأرض والسماء والليل والنهار وهذا ليس من الغرابة في شيء, والثاني ما هي مأنوسة عند العرب العرباء فقط فلا يعاب استعمالها عليهم مثل شَرَنْبَث وهذا هو الغريب الحسن ومنه غرائب القرآن والحديث, والثالث ما هي غير مأنوسة مطلقاً فيعاب استعمالها مطلقاً وهذا هو الغريب القبيح, ومن الغريب القبيح ما هو ثقيل على اللسان كريهٌ على الذوق كـجَحِيْش وهذا هو الوحشيّ الغليظ والمتوعِّر, ومنه ما هو غيرُ كريهٍ كـتَكَأكَأتُمْ وافْرَنْقِعُوْا.
[6] قوله: [شَرَنْبَث] أي: غليظ اليدين والرِجلين ويراد به الأسد. قوله اشْمَخَرَّ أي: ارتفع. قوله اقْمَطَرَّ أي: تفرَّق واشتدّ يقال اقمطرّ يومنا أي: اشتدّ. قوله وهي إلخ أي: وهذه الألفاظ الثلاثة كونها في النظم أحسن من كونها في النثر, فالضمير عائد إلى الأمثلة لا إلى الغريب الحسن ولذا أنّثه.