عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

ذكر (ومن الكراهة في السمع) بأن يتبرّأ السمعُ من سَماعه[1] كما يتبرّأ من سَماع الأصوات المُنكرَة فإنّ اللفظ[2] من قبيل الأصوات والأصوات منها ما تستلِذُّ النفس سَماعَه ومنها ما تستكرِهُه (نحو) الجِرِشَّى [3] في قول أبي الطيِّب في مدح سيف الدولة أبي الحسن عليّ: مُبَارَكُ الاِسْمِ أَغَرُّ اللَّقَبِ* (كَرِيْمُ الْجِرِشَّى) أي: النفس[4] (شَرِيْفُ النَّسَبِ) فالاسم مبارك لموافقة اسمه اسمَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه, واللقب مشهور بين الناس, والأغرّ من الخيلِ الأبيضُ الجَبهةِ ثُمّ استُعير لكلّ واضح معروف (وفيه نظر) لأنها داخلة[5] تحت الغرابة المفسَّرة بالوحشيّة


 



[1] قوله: [بأن يتبرَّأ السمع من سَماعه] تصوير للكراهةِ في السمع المعتبَرةِ سلباً في تعريف الفصاحة في المفرد عند صاحب القيل وهو بعض معاصري المصـ. قوله كما يتبرّأ إلخ تشبيهٌ لتبرُّئ السمع من سَماع اللفظ بتبرّئه من سَماع الصوت المُنكَر لتقريب المشبَّه إلى الفهم, وقياسُ اللفظ على الصوت.

[2] قوله: [فإنّ اللفظ إلخ] استدلال من صاحب القيل على صحّة التشبيه المذكور, وحاصله أنّ الأصوات على قسمين: أحدهما ما تستلذّ النفس سَماعَه, والثاني ما تستكرهه, ولمّا كان اللفظ من قبيل الأصوات انقسم اللفظ أيضاً إلى هذين القسمين, وفيه أنّ الصوت ما يعتمد على المخرج سواء كان ممّا يتلفّظ به الإنسان أو لا فالصوت عامّ واللفظ خاصّ وتقسيم العامّ إلى القسمين لا يستلزم تقسيمَ الخاصّ إليهما فكان الأولى ترك ذكر هذا الاستدلال لكنه ذكره متابعةً لـ"الإيضاح" وتوطئةً للوجه الثاني للنظر الآتي.

[3] قوله: [الجِرِشَّى] تعيينُ المقصود بالتمثيل. قوله في قول أبي الطيِّب تعيينُ القائل وهو أحمد بن الحسين الكندي المتنبِّي. قوله في مدح إلخ بيانُ غرض القائل. قوله مُبَارَكُ الاسْمِ إلخ بيانُ صدر البيت.

[4] قوله: [أي: النفس] تفسير غير المشهور بالمشهور. قوله فالاسم مبارك إلخ شروع في شرح البيت وهذا بيان لوجه كون الممدوح مباركَ الاسم. قوله واللقب إلخ أي: ولقب الممدوح مشهور بين الناس, وهذا بيان المعنى المراد بالأغرّ. قوله والأغرّ إلخ تفسير للأغرّ لغةً وعرفاً. قوله من الخيل بيان للأغرّ. قوله الأبيضُ الجبهةِ الإضافة لفظيّة ولذا صحّ دخول اللام على المضاف.

[5] قوله: [لأنها داخلة إلخ] ذكرٌ لوجه النظر, وحاصله أنّ الكراهة في السمع وإن كانت معتبرة سلباً في تعريف الفصاحة في المفرد لكنها داخلة تحت الغرابة بمعنى أنّ الخلوص من الغرابة يستلزم الخلوصَ من الكراهة فلا حاجة إلى زيادة هذا القيد, فإن قيل إنّ الخلوص من الغرابة كما يستلزم الخلوصَ من الكراهة يستلزم الخلوصَ من التنافر والمخالفة فلا حاجة إلى ذكرهما أيضاً, قيل لا وجه لهذا الاعتراض لأنّ الأصل ذكر جميع أسباب الإخلال بالفصاحة صريحاً وتركُ التصريح ببعضها يحتاج إلى توجيه فإنّ النكتة للفارّ لا للقارّ. قوله المفسَّرة بالوحشيّة أي: بالوحشيّة المفسَّرة بغير ظاهرة الدلالة على المعنى ولا مأنوسة الاستعمال, ففي توصيف الغرابة به إشارة إلى وجه دخول الكراهة تحت الغرابة.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400