كيفيّة نفسانيّة وحينئذ إنْ كانت راسخة في موضوعها تسمّى ملَكة وإلاّ تسمّى حالاًّ, فالملَكة كيفيّة راسخة في النفس, فقوله ملَكة إشعار بأنّ الفصاحة من الهيئات الراسخة[1] حتّى لو عبّر عن المقصود بلفظٍ فصيح من غير رسوخ ذلك فيه لا يسمّى فصيحاً في الاصطلاح, وقوله (يقتدر بها على التعبير عن المقصود) دون يعبّر [2] إشعار بأنه يسمّى فصيحاً حالتي النطق وعدمه أي: سواء كان[3] ممّن ينطق بمقصوده بلفظ فصيح في زمان من الأزمنة أو لا ينطق به قطّ ولكن له ملكة الاقتدار, ولو قيل يعبِّر [4] لاختصّ بمن ينطق بمقصوده في
[1] قوله: [من الهيئات الراسخة] إن قيل إنّ كون الفصاحة من الهيئات الراسخة مستفاد أيضاً من لام الاستغراق في قوله المقصود لأنّ صاحب الهيئة الغير الراسخة لا يقتدر على التعبير عن كلّ مقصود بلفظ فصيح, قيل مقصود الشارح أنه لو لم يقل ملَكة لم يوجد في اللفظ إشعار بذلك وإن أمكن أن يستفاد من لام الاستغراق, على أنّ الدلالة الالتزاميّة مهجورة في التعريفات.
[2] قوله: [دون يعبِّر] أي: دون أن يقول يعبِّر بها عن المقصود مع أنه أخصر. قوله حالتي النطق وعدمه أي: يسمّى فصيحاً حالة كونه ممّن ينطق في الجملة وحالة كونه ممّن لا ينطق أصلاً ولكن له ملَكة الاقتدار, فلو قال يعبِّر لأشعر بأنّ المتكلِّم يسمّى فصيحاً إذا كان ممّن ينطق ولو في الجملة مع أنه لا يشترط التعبير أصلاً في الفصيح, نعم! لا يعلم فصاحة المتكلِّم بدون التعبير عن المقصود بلفظ فصيح لكنّ فصاحة المتكلِّم شيء والعلم بها شيء آخر وكلامنا في الأوّل.
[3] قوله: [أي: سواء كان إلخ] تفسير لقوله حالتي النطق وعدمه دفعاً لتوهّم أنّ المراد بالحالتين حالة النطق بالفعل وحالة السكوت بالفعل, فإنّ المراد بهما حالة النطق في الجملة وعدم النطق أصلاً تأمّل. قوله أو لا ينطق به قطّ اعلم أنّ لفظ قطّ ظرف زمان لاستغراق ما مضى, وملازمته مع النفي هو الغالب, وأمّا ملازمته مع الماضي فثابتة, فاستعمال الشارح هنا في المضارع من مسامحات المصنِّفين كما قال ابن هشام في "المغني", والعامّة يقولون لا أفعله قطّ وهو لحن.
[4] قوله: [ولو قيل يعبِّر إلخ] وحينئذ لم تكن اللام في المقصود للاستغراق إذ لا معنى لقولنا يعبِّر في وقت مّا عن كلّ مقصود بلفظ فصيح, بل تكون للجنس. قوله هكذا يجب إلخ الإشارة بـهكذا إلى قوله أي: سواء كان إلخ, والإشارة بـهذا الكلام إلى كلام "الإيضاح" وهو قوله حالتي النطق وعدمه أي: يجب أن يفسَّر هذا الكلام بما فسّرته به لئلاّ يتوهّم خلاف المراد.