المختصّة بأكثر من جملة, وفصل قوله (ومقام الإيجاز يباين مقام خلافه) أي: الإطناب والمساواة[1] لكونه غير مختصّ بجملة أو جزئها ولأنه باب عظيم كثير المباحث, وقد أشار في "المفتاح" إلى تفاوت مقام الإيجاز والإطناب بقوله ولكلّ حدّ ينتهي إليه الكلام مقام فإنّ لكلّ[2] من الإيجاز والإطناب لكونهما نِسبِيَّـيْنِ حدوداً ومراتبَ متفاوتةً ومقام كلّ يباين مقام الآخر (وكذا خطاب الذكيّ مع خطاب الغبيّ) فإنّ مقام الأوّل[3] يباين مقام الثاني, فإنّ الذكيّ يناسبه من الاعتبارات اللطيفة والمعاني الدقيقة الخفيّة ما لا يناسب الغبيّ, وكان الأنسب[4] أن يذكر مع الغبيّ الفَطِن
[1] قوله: [أي: الإطناب والمساواة] تفسير لخلاف الإيجاز. قوله كثير المباحث فيه إشارة إلى أنّ عظمة هذا الباب بكثرة المباحث لا بالرتبة. قوله وقد أشار إلخ أي: وقد أشار السكّاكيّ في كتابه "مفتاح العلوم" إلخ, وغرض الشارح من نقل هذا الكلام حلُّه وبيانُ أنّه إشارة إلى تفاوت مقام الإيجاز والإطناب, وذلك لأنه قد اشتبه وخفي مراده على بعض شُرّاح "المفتاح".
[2] قوله: [فإنّ لكلّ إلخ] هذا من كلام الشارح لحلّ عبارة "المفتاح", وحاصله أنّ لحدودِ الكلام ونهاياتِه مراتبَ مختلفةً ولها مقامات متفاوتة فمقامٌ يقتضي قدراً من الإيجاز ومقامٌ آخرُ يقتضي أوجزَ منه, ومقامٌ يقتضي قدراً من الإطناب ومقامٌ آخرُ يقتضي أكثرَ منه, فمقام كلّ حدّ يباين مقام آخر. قوله لكونهما نِسبِيَّـيْنِ علّة لقوله فإنّ لكلّ من الإيجاز والإطناب حدوداً ومراتبَ متفاوتةً, أمّا كونهما نِسبِيَّـيْنِ فلأنّ الإيجاز يكون بالنسبة إلى الإطناب والإطناب يكون بالنسبة إلى الإيجاز.
[3] قوله: [فإنّ مقام الأوّل إلخ] أي: فإنّ مقام خطاب الذكيّ يباين مقام خطاب الغبيّ, وفيه إشارة إلى أنّ كلمة كذا إشارة إلى الإيجاز وخلافه أي: كما أنّ كلاًّ من الإيجاز وخلافه يقع مقتضى للمقام ويباين مقام الأوّل مقام الآخر كذلك كلّ من خطاب الذكيّ وخطاب الغبيّ يقع مقتضى للمقام ومقام الأوّل يباين مقام الآخر, فالمراد بالخطاب ما خوطب به وهو الخصوصيّات أو الكلام المشتمل عليها ومقامه الداعي إليه هو الذكاوة والغباوة. قوله من الاعتبارات إلخ بيان لـما في ما لا يناسب الغبيّ.
[4] قوله: [وكان الأنسب إلخ] إنّما قال الأنسب لأنّ كلاًّ من الذكيّ والفَطِن يستعمل مقام الآخر للقرب بينهما, وإنّما اختار المصـ لفظ الذكيّ تبعاً لـ"المفتاح" على أنّ بينه وبين الغبيّ موافقة. قوله مع الغبيّ الفَطِن لم يقل مع الذكيّ البليد إشارةً إلى أنّ الغبيّ واقع في موقعه لأنّ الخطاب إنّما يتفاوت باعتبار فهم المخاطَب ما يرد عليه وعدمه لا باعتبار اكتسابه الأفكار وعدمه.