بأخذ العلم من أفواه الرجال على التّرحُّل إلى جُرجانية خوارزم مَحطِّ رحال الأفاضل[1] ومخيّم أرباب الفضائل صرف الله عنها بوائق الزّمان وحرسها عن طوارق الحدثان, فشمّرتُ عن ساق الجِدّ[2] إلى اقتناءِ ذخائر العُلوم والمعارف, وافتلاذِ الأناسي من عُيون اللطائف[3] وصرفتُ شطراً من الزّمان, إلى الفحص عن دقائق علم البيان, أراجع الشيوخ[4] الذين حازوا قصب السبق في مضماره, وأباحث الحُذّاق الذين غاصوا على غرر الفرائد[5] في
[1] قوله: [مَحطِّ رحال الأفاضل] المحطّ المنزل, والرحال جمع الرحل وهو الهودج. مُخيَّم موضع الإقامة. قوله صرف الله إلخ جملة معترضة للدعاء. قوله بوائق الزمان البوائق جمع البائقة وهي الداهية. قوله حرسها أي: حفظها. قوله طوارق الحدثان الطوارق البوائق الحادثة في الليل والحدثان مصدر بمعنى الحادثة, والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: عن الحوادث الطوارق.
[2] قوله: [فشمّرت عن ساق الجِدّ] التشمير رفع الذيل وغيره, والجِدّ الاجتهاد, وهذا استعارة تمثيليّة بأن شبّه هيئة اجتهاده في تحصيل هذا العلم بهيئة من شمّر ذيله عن الساق للجدّ في العمل فاستعمل اللفظ الموضوع للهيئة المشبّه بها في الهيئة المشبّهة وهذا هي الاستعارة التمثيليّة, ولك أن تقول تشبيه الجدّ بإنسان ذي ساق استعارة بالكناية وإثبات الساق له استعارة تخييليّة والتشمير استعارة ترشيحيّة. قوله إلى اقتناء متعلِّق بـشمّرت لتضمينه معنى الميل أي: شمّرت مائلاً إلى اكتساب إلخ, والذخائر جمع ذخيرة وهي ما يدّخر لوقت الحاجة, وإضافة الذخائر إلى العلوم بيانيّة أو تشبيهيّة.
[3] قوله: [وافتلاذِ الأناسي من عيون اللطائف] الافتلاذ الأخذ, والأناسي جمع إنسان العين وهو المثال الذي يرى في سواده, والمراد به هنا المسائل الدقيقة, وتشبيه اللطائف بإنسان استعارة بالكناية وإثبات العيون لها استعارة تخييليّة وإثبات الأناسي استعارة ترشيحيّة.
[4] قوله: [أراجع إلخ] ترك العطف لكونه بياناً لما قبله, وفي إيراد أراجع وأباحث دلالة على أنّ الرجوع والبحث من الجانبين وفيه إشارة إلى ذكاوته وهو تحديث بالنعمة, والمراد بالشيوخ ناصر الدين الترمذي وعلاء الدين السمنائي وبهاء الدين الحلواني, والإضافة في مضماره وبحاره بيانيّة.
[5] قوله: [على غرر الفرائد] الغرر جمع الغرّة بمعنى الواضح, والفرائد جمع فريدة وهي الدرّة الكبيرة الثمينة والإضافة من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: على فرائده الواضحة أي: على مسائله الشريفة.