عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

وهذا ممّا لا قائل به (وإن كان) المخاطب (مُنكِراً) للحكم حاكماً بخلافه[1] (وجب توكيده) أي: الحكم (بحسَب الإنكار) قوّةً وضعفاً فكلّما ازداد في الإنكار زِيْدَ في التأكيد (كما قال الله تعالى حكايةً عن رُسُل عيسى عليه السلام إذ كُذِّبوا في المرّة الأولى: ﴿إِنَّآ إِلَيۡكُم مُّرۡسَلُونَ﴾ [يس:١٤]) مؤكَّداً بـ إنّ واسميّةِ الجملة (وفي) المرّة (الثانية:) ﴿ رَبُّنَا يَعۡلَمُ) (إِنَّآ إِلَيۡكُمۡ لَمُرۡسَلُونَ﴾ [يس:١٦]) مؤكَّداً بالقسم[2] و إنّ واللامِ واسميّةِ الجملة لمبالغة المخاطَبين في الإنكار حيث قالوا: ﴿مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا وَمَآ أَنزَلَ ٱلرَّحۡمَٰنُ مِن شَيۡءٍ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا تَكۡذِبُونَ﴾ [يس:١٥], وكأنّ الرُسُل دعَوهم[3] إلى الإسلام على وجهٍ ظنّوهم أصحاب وحي ورُسُلاً من الله تعالى بناءً على أنّ الرسالة[4] من رسول الله تعالى رسالة من الله تعالى ولذا قال: ﴿إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ ٱثۡنَيۡنِ[يس:١٤] فعدلوا[5] في نفي الرسالة عن التصريح إلى الكناية


 



[1] قوله: [حاكماً بخلافه] فيه إشارة إلى الفرق بين المتردِّدِ في الحكم والمُنكِرِ له بأنّ المنكر يكون حاكماً بخلاف الحكم الذي أريد إفادته إيّاه بخلاف المتردِّد. قوله فكلّما إلخ تفصيل لقوله قوّةً وضعفاً.

[2] قوله: [مؤكَّداً بالقسم إلخ] وهو قولهم: ربّنا يعلم فإنه جار مجرى القسم في التأكيد كـشهد الله, أو المراد بالقسم القسم الحكميّ وقولهم هذا في قوّة قولهم: نقسم بعلم ربّنا أو بربِّنا العليم.

[3] قوله: [وكأنّ الرُسُل دعَوهم إلخ] جوابُ سؤال ودفعُ اعتراض, السؤال أنّ الكفّار لما عدلوا عمّا هو صريح في نفي الرسالة إلى قولهم ما أنتم إلاّ بشر مثلنا, والاعتراض أنه لا ينافي قولُ الكفّار: ما أنتم إلاّ بشر مثلنا قولَ الرُسُل: إنا إليكم مرسلون إذ البشريّة في زعمِ الكفّار الفاسدِ إنّما تنافي الرسالةَ من الله تعالى لا الرسالةَ من رسول الله تعالى وظاهر أنّ الرسل كانوا مُرسَلين من عيسى على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام فلا معنى للردّ عليهم بإثبات البشريّة لهم, وحاصل الجوابِ والدفعِ ظاهر من الشرح.

[4] قوله: [بناءً على أنّ الرسالة إلخ] دفع توهّم وهو أنه كيف يجوز لرُسُل الرسول دعوةُ الكفّار إلى الإسلام على وجهٍ ظنّوهم به أصحابَ وحيٍ ورُسُلاً من الله تعالى, وحاصل الدفع أنّ هذا الجواز مبنيّ على أنّ الرسالة من رسول الله رسالة من الله تعالى بدليل أنّ الله تعالى قد أسند رسالتهم إلى نفسه.

[5] قوله: [فعدلوا إلخ] عطف على قوله قالوا إلخ. قوله عن التصريح كأن يقولوا ما أنتم برسل أو نحو ذلك. قوله إلى الكناية بأن قالوا ما أنتم إلاّ بشر مثلنا فإنّ إثبات البشريّة ملزوم ونفي الرسالة لازم له في زعمهم الفاسد فانتقلوا من ذلك الملزوم إلى هذا اللازم وهو الكناية.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400