التي هي أبلغ منه وقالوا: ﴿مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا﴾ زعماً منهم أنّ البشر لا يكون رسولاً ألبتّة, وإلاّ فالبشريّة[1] في اعتقادهم إنّما تنافي الرسالة من الله تعالى لا من رسول الله, وقوله: إذ كُذِّبوا [2] أي: الرسل الثلاثة مبنيّ على أنّ تكذيب الاثنين منهم تكذيب للآخر لاتّحاد المُرسِل والمُرسَل به وإلاّ فالمُكذَّب في المرّة الأولى هما اثنان بدليل قوله: ﴿إِذۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمُ﴾ أي: إلى أصحاب القرية وهم أهل أنطاقية ﴿ٱثۡنَيۡنِ﴾ وهما شمعون ويحيٰى ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزۡنَا بِثَالِثٖ﴾ أي: فقوّيناهما برسول ثالث وهو بَوْلَش أو حبيب النجّار[3] (ويسمّى الضرب الأوّل ابتدائيًّا والثاني طلبيًّا والثالث إنكاريًّا و) يسمّى (إخراج الكلام عليها) أي: على الوجوه المذكورة وهي الخلوّ عن التأكيد في الأوّل والتقوية بمؤكِّد استحساناً في الثاني ووجوب التأكيد بحسَب الإنكار في الثالث (إخراجاً على مقتضَى الظاهر) وهو أخصّ مطلقاً من مقتضَى الحال[4] لأنّ معناه مقتضَى ظاهر الحال فكلّ مقتضَى الظاهر مقتضَى الحال من
[1] قوله: [وإلاّ فالبشريّة إلخ] بيانٌ للباعث على قول الشارح وكأنّ الرُسُل دعَوهم على وجهٍ إلخ أي: وإن لم يحمل دعوة الرسل على الوجه الذي ذكرناه فلا معنى لردّ الكفّار على رسالة الرُسُل بقولهم ما أنتم إلاّ بشر مثلنا لأنّ البشريّة عندهم إنّما تنافي الرسالةَ من الله لا الرسالةَ من رسول الله.
[2] قوله: [وقوله إذ كُذِّبوا إلخ] أي: وقول الماتن: كُذِّبوا بصيغة الجمع دون أن يقول إذ كُذِّبا بصيغة التثنية مع أنّ المُكذَّب في المرّة الأولى اثنان فقط مبنيّ إلخ. قوله لاتّحاد المُرسِل وهو سيِّدنا عيسى على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام. قوله والمُرسَل به وهو التوحيد.
[3] قوله: [وهو بَوْلَش أو حبيب النجّار] هذا الذي ذكره الشارح غير موثوق به والصحيح أنّ الثالث الذي عزّزهما به هو شمعون بعثه سيّدنا عيسى على نبيِّنا وعليه الصلاة والسلام بعد تكذيب الناس الرسولَين قبله وهما يحيى وبَوْلَش كذا في "الكشّاف".
[4] قوله: [وهو أخصّ مطلقاً من مقتضَى الحال] تعيين للنسبة بين مقضَى الظاهر ومقتضَى الحال بأنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً؛ وذلك لأنّ مقتضَى الحال كليّ تحته فردان مقتضَى ظاهر الحال ومقتضَى خفيّ الحال والفرد يكون أخصّ مطلقاً ممّا هو فرد له فكلّ مقتضَى الظاهر مقتضَى الحال وليس كلّ مقتضَى الحال مقتضَى الظاهر فإنّ التأكيد في إنّ بني عمّك فيهم رماح مقتضَى الحال وليس بمقتضَى الظاهر.