أي: لا تدعُني يا نوح[1] في شأنِ قومك واستدفاعِ العذاب عنهم بشفاعتك, فهذا كلام يلوّح بالخبر[2] مع ما سبق من قوله تعالى: ﴿وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا﴾ فصار المقام مقام أن يتردّدَ المُخاطَب في أنهم هل صاروا محكوماً عليهم بالإغراق أم لا ويطلبَه فنُزِّل منزلة الطالب, وقيل: ﴿إِنَّهُم مُّغۡرَقُونَ﴾ مؤكَّداً أي: محكوم عليهم بالإغراق, والمراد أنّ الكلام المقدّم[3] يشير إشارةً مّا إلى جنس الخبر حتّى أنّ النفس اليَقْظَى والفهم المتسارع يكاد يتردّد فيه ويطلبه لا أنه يشير إلى حقيقة الخبر وخصوصيّته, ومثله[4]: ﴿وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ﴾ [يوسف:٥٣] و﴿وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٞ لَّهُمۡۗ﴾ [التوبة:١٠٣] و﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيۡءٌ عَظِيمٞ﴾ [الحج:١] وغير ذلك ممّا يأتي بعد الأوامر والنواهي وهو
[1] قوله: [أي: لا تدعُني يا نوح إلخ] أشار بهذا التفسير إلى أنّ المراد بالنهي عن الخطاب في الذين ظلموا النهي عن الدعاء والشفاعة لهم من قبيل إطلاق العامّ وإرادة الخاصّ.
[2] قوله: [فهذا كلام يلوِّح بالخبر إلخ] أي: فهذا الكلام مع قوله السابق: ﴿وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا﴾ يُلوِّح بالخبر بخصوصه وهو كونهم محكوماً عليهم بالإغراق لأنّ صنع الفلك للخلاص عن الغرق, وأمّا بدونه فيُلوِّح بجنس الخبر وهو كونهم محكوماً عليهم بالعذاب. قوله فصار المقام مقامَ إلخ أي: فصار المقام مقامَ التردّدِ في الخبر وطلبِه بالنظر إلى المُلوِّح وإن لم يتردّد المخاطَب فيه ولم يطلبه بالفعل.
[3] قوله: [والمراد أنّ الكلام المقدّم إلخ] دفعٌ لما يتوهّم من قوله هل صاروا محكوماً عليهم بالإغراق فإنه يدلّ على أنّ المُلوِّح يشير إلى حقيقة الخبر وخصوصيّته فيتوهّم منه أنّ الإشارة إلى الخبر بخصوصه شرط في المُلوِّح, وحاصل الدفع أنّ مراد المصـ أنّ الكلام المقدَّم يشير إلى جنس الخبر وهو المعتبر في المُلوِّح, وأمّا الإشارة إلى الخبر بخصوصه فليس بشرط فيه وإن تحقّق الإشارة إلى خصوص الخبر في بعض المواضع كما في الآية الكريمة المذكورة. قوله اليَقْظَى أي: المتهيِّأة لدرك ما يرد عليها.
[4] قوله: [ومثله إلخ] أي: ومثلُ قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَٰطِبۡنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ﴾ قولُه تعالى: ﴿وَمَآ أُبَرِّئُ نَفۡسِيٓۚ﴾ فإنه يُلوِّح بالخبر وهو أنّ النفس أمّارة بالسوء, وقولُه تعالى: ﴿صَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ﴾ فإنه يُلوِّح بالخبر وهو أنّ في صلاته عليه السلام منفعة لهم, وقولُه تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ﴾ فإنه يُلوِّح بالخبر وهو أنّ العقوبة في الآخرة حقّ ومن جملتها أنّ زلزلة الساعة شيء عظيم.