كثير في التنزيل جدًّا, وقال الشيخ[1] عبد القاهر: إنّ في هذه المقامات لتصحيحِ الكلام السابق والاحتجاجِ له وبيانِ وجه الفائدة فيه ويُغنِي غناء الفاء (ويجعل غير المنكر كالمنكر إذا لاح) أي: ظهر (عليه) أي: على غير المنكر (شيء من أمارات الإنكار نحو:) قول حَجْل بن نَضْلة: (جَاءَ شَقِيْقٌ) اسم رجل (عَارِضاً رُمْحَهُ *) أي: واضعاً على العرض[2] من عَرَض العودَ على الإناء والسيفَ على الفخذ , فهو لا ينكر أنّ في بني عمّه رماحاً[3] لكنّ مجيئَه واضعاً الرمح على العرض من غير التفاتٍ وتهيّء أمارةُ أنه يعتقد أن لا رمح فيهم بل كلّهم عُزْل لا سِلاح معهم فنُزِّل منزلة المُنكِر وخُوطِب خطابَ التفاتٍ بقوله: (إِنَّ بَنِيْ عَمِّكَ فِيْهِمْ رِمَاحُ) مؤكَّداً بـ إنّ , ومثله[4]: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون:١٥] مؤكَّداً بـ إنّ واللام, وإن كان ممّا لا يُنكَر لأنّ تماديَهم في الغفلة والإعراض عن العمل لما بعده من أمارات الإنكار (ويُجعَل المُنكِر كغير المُنكِر إذا كان معه) أي: مع المُنكِر (ما إن تأمّله)
[1] قوله: [وقال الشيخ إلخ] لمّا كان من مذهب الشيخ أنه يشترط في إنّ أن يكون للسائل ظنّ على خلاف ما يجاب به ورد عليه أنه قد ورد في هذه الآيات إنّ مع أنه ليس للمخاطَب ظنّ على خلاف ما أجيب به, فأجاب بقوله: إنّ في هذه المقامات إلخ, وحاصل الجواب أنّ إنّ في هذه المقامات للتعليل كالفاء التعليليّة والاشتراط المذكور إنّما هو في إنّ التحقيقيّة.
[2] قوله: [واضعاً على العرض] معنى كون الرمح موضوعاً على العرض أن يكون عرضه إلى العدوّ دون طوله كما يُفعَل عند المُحارَبة. قوله من عَرَض إلخ بيانٌ للمأخوذ منه لـعارضاً.
[3] قوله: [فهو لا يُنكِر أنّ في بني عمِّه رِماحاً إلخ] تطبيق للمثال بالممثَّل له. قوله عُزْل جمع أعزل وهو الذي لا سِلاح معه فقوله لا سِلاح معهم تفسير وبيان لما قبله. قوله وخُوطِب خطابَ التفاتٍ إلخ فإنّ في قوله إِنَّ بَنِيْ عَمِّكَ إلخ التفاتاً من الغيبة إلى الخطاب لسبق التعبير عنه بالاسم الظاهر.
[4] قوله: [ومثله إلخ] أي: ومثلُ قول الشاعر قولُه تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ في جعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارة الإنكار عليه. قوله وإن كان إلخ أي: وإنّما نُزِّل المخاطبون منزلة المنكرين للموت وجيء بالكلام المؤكَّد وإن كان الموت ممّا لا ينكره أحد لأنّ تماديَهم إلخ.