فإن قيل[1]: التمثيل به لا يكاد يصحّ لوجهَين أحدهما أنّ هذا الحكم أعني نفي الريب بالكليّة ممّا لا يصحّ أن يُحكَم به لكثرة المرتابين[2] فضلاً عن أن يُؤكَّد, والثاني أنه قد ذكر في بحث الفصل والوصل أنّ قوله ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ تأكيد لقوله: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ﴾ فيكون ممّا أُكِّد فيه الحكم بالتكرير[3] نحو: زيد قائم زيد قائم ويكون على مقتضَى الظاهر, بل مقصود المصنّف[4] أنه قد يجعل إنكار المُنكِر كلا إنكار تعويلاً على ما يزيله فيترك التأكيد كما جعل الريب بناء على ما يزيله كلا ريب حتّى صحّ نفي الريب بالكليّة مع كثرة المرتابين فيكون نظيراً[5] لتنزيل وجود الشيء منزلة عدمه اعتماداً على ما يزيله,
[1] قوله: [فإن قيل إلخ] إبطالٌ لكون قوله تعالى: ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ تمثيلاً لما نحن بصدده. قوله لا يكاد يصحّ أي: لا يقرب من الصحّة فضلاً عن أن يكون صحيحاً. قوله لوجهَين تعليل لنفي الصحّة.
[2] قوله: [لكثرة المرتابين إلخ] تعليل لقوله ممّا لا يصحّ أن يُحكَم به, وحاصله أنّ مِن الناس مَن يرتاب فيه فالريب فيه لبعض الناس متحقِّق في نفس الأمر فكيف يصحّ نفي الريب عنه بالكليّة بمعنى أنه لا ريب فيه لأحد من الناس. قوله فضلاً عن أن يُؤكَّد فإنّ التأكيد فرعٌ لصحّة الحكم لأنه لدفع إنكار المخاطَب للحكم الصحيح في نفس الأمر, ولا يخفى ما في تقرير هذا الوجه من سوء الأدب فكان الأولى إيراد السؤال هكذا: فإن قيل كيف يصحّ التمثيل به والحكم المذكور ممّا يُشكِل ظاهراً لكثرة المرتابين.
[3] قوله: [فيكون ممّا أُكِّد فيه الحكم بالتكرير] فالحكم في كلّ واحدة من الجملتين مؤكَّد بالأخرى لاتّحادهما في المآل وإن كان إطلاق المؤكِّد في الاصطلاح على الثانية. قوله ويكون على مقتضَى الظاهر أي: لورود الكلام المؤكَّد للمنكر فلا يكون مثالاً لجعل المنكر كغير المنكر.
[4] قوله: [بل مقصود المصنِّف إلخ] عطفٌ على قوله التمثيل به لا يكاد يصحّ وإضرابٌ عن السؤال إلى توجيه المتن, وحاصله أنّ مقصود المصـ بإيراد قوله تعالى: ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ بيانُ النظير لجعل المنكر كغير المنكر فإنّ فيه تنزيلاً لوجود الريب منزلة عدمه بناءً على ما يزيله كما يكون في جعل المنكر كغير المنكر تنزيل الإنكار منزلة عدمه بناءً على ما يزيله.
[5] قوله: [فيكون نظيراً] أي: فيكون قوله تعالى: ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ نظيراً لجعل المنكر كغير المنكِر لا مثالاً له. قوله لتنزيل إلخ اللام فيه للأجل أي: إنه نظير لجعل المنكر كغير المنكر لأجل وجود تنزيل وجود الشيء منزلة عدمه في كلّ من الآية والجعل بناءً على ما يزيله ففي الآية تنزيل الريب منزلة عدمه وفي الجعل تنزيل الإنكار منزلة عدمه, وليست اللام صلةً لقوله نظيراً.