لأنهم جُعِلوا كغير المُنكِر[1] لِما معهم من الدلائل المُزيلة لهذا الإنكار لو تأمّلوها وهو أنه كلام مُعجِز أتى به مَن دُلّ على نُبوّته بالمُعجِزات الباهِرات, وعن الثاني[2] أنّ المذكور في بحث الفصل والوصل أنه بمنزلة التأكيد المعنويّ ووِزَانُه وِزَانُ نفسُه في أعجبني زيدٌ نفسُه دفعاً لتوهّم السهو أو التجوّز فلا يكون من قبيل التكرير, لكنّ المذكور[3] في "دلائل الإعجاز" يُؤكِّد السؤالَ وهو أنه قال: ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ بيانٌ وتوكيدٌ وتحقيقٌ لقوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ﴾ وزيادةُ تثبيت له وبمنزلة أن تقول: هو ذلك الكتاب هو ذلك الكتاب فتعيده مرّةً ثانيةً لتُثـبِّته,
[1] قوله: [لأنهم جُعِلوا كغير المُنكِر إلخ] أي: فيكون قوله تعالى: ﴿لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ﴾ مثالاً لجعل المنكر كغير المنكر, وهذا ردّ على نفي كونه ممّا نحن فيه.
[2] قوله: [وعن الثاني إلخ] أي: والجواب عن الوجه الثاني لنفي كونه مثالاً لما نحن فيه إلخ, وحاصله أنّ المذكور هناك أنه بمنزلة التأكيد المعنويّ, وهو إنّما يكون لدفع توهّم التجوّزِ فلا يكون من قبيل التكرير اللفظيّ حتّى يكون مفيداً لتأكيد الحكم ومطابقاً لمقتضَى الظاهر. قوله ووِزَانُه إلخ أي: ومرتبة لا ريب فيه مع ذلك الكتاب كمرتبة نفسُه مع زيدٌ في أعجبني زيدٌ نفسُه.
[3] قوله: [لكنّ المذكور إلخ] إشارة إلى الاعتراض على الجواب عن الوجه الثاني, وحاصله أنّ المذكور فيه صريح في أنّ لا ريب فيه تأكيد لفظيّ لـذلك الكتاب فيكون مفيداً لتأكيد الحكم بالتكرير, فلا يكون مثالاً لإخراج الكلام على خلاف مقتضَى الظاهر وجعلِ المنكر كغير المنكر وترك التأكيد, وجوابه أنّ ما ذكر في "دلائل الإعجاز" من أنّ لا ريب فيه تأكيد لفظيّ مبنيّ على أنّ ضمير فيه راجع إلى الحكم المدلول عليه بـبذلك الكتاب فالقول بأنه لا ريب في هذا الحكم كتكرير ذلك الحكم, وما ذكره المصـ من أنه بمنزلة التأكيد المعنويّ مبنيّ على أنّ الضمير راجع إلى الكتاب أي: لا ريب في هذا الكتاب بوجهٍ من الوجوه فيكون كتاباً بالغاً غاية الكمال إذ لا كمال للكلام أبلغ من عدم الريب فيه, فيكون تأكيداً معنويًّا لـذلك الكتاب لاختلافهما معنًى, والتمثيل يكفيه الاحتمال ولا يجب كونه نصًّا فيه.