فالجواب عن الأوّل[1] أنه لمّا نفي الريبُ على سبيل الاستغراق مع كثرة المرتابين ذكروا له تأويلَين أحدهما ما ذكر في السؤال وهو أنه جعل الريب كلا ريب[2] تعويلاً على ما يُزيله, وحينئذٍ لا يكون مثالاً لما نحن فيه, وثانيهما ما ذكره صاحب "الكشاف" وهو أنه ما نفي الريبُ عنه بمعنى أنّ أحداً لا يرتاب فيه[3] بل بمعنى أنه ليس محلاًّ لوقوع الارتياب فيه لأنه من وضوح الدلالة وسطوع البرهان بحيث لا ينبغي لأحدٍ أن يرتاب فيه فكأنه قيل: هو ممّا لا ينبغي أن يُرتَاب في أنه من عند الله وهذا حكم صحيح[4] لكن يُنكِره كغيره من الأشقياء فينبغي أن يُؤكَّد لكن تُرِك تأكيده[5]
[1] قوله: [فالجواب عن الأوّل إلخ] أي: فالجواب عن الوجه الأوّل إلخ, وتقرير الجواب واضح.
[2] قوله: [وهو أنه جعل الريب كلا ريب إلخ] أي: فلمّا جعل الريب كلا ريب اعتماداً على دلائل تزيله صحّ نفي الريب عنه بالكليّة وعلى سبيل الاستغراق مع كثرة المرتابين, فلعلّ مقصودَ الشارح من نقل هذا التأويل الأوّل الردُّ على الوجه الأوّل لنفي كونه مثالاً لما نحن فيه -وهو أنّ نفي الريب بالكليّة ممّا لا يصحّ أن يُحكَم به- لا الردُّ على نفي كونه مثالاً له, ومقصوده من نقل التأويل الثاني الردّ على الوجه الأوّل للنفي وعلى النفي كليهما, والله سبحانه وتعالى أعلم وعلمه جلّ مجده أتمّ وأحكم.
[3] قوله: [بمعنى إلخ] النفي في قوله ما نفي الريبُ عنه متوجِّه إلى هذا القيد يعني ما أريد بنفي الريب عنه أنه لا يرتاب فيه أحد بل أريد به أنه ليس محلاًّ لوقوع الارتياب فيه, وإلى هذا أشار الإمام أحمد رضا خان عليه رحمة الرحمن في ترجمته الأرديّة للقرآن المسمّاة بـ"كنز الإيمان" بقوله: کوئی شک کی جگہ نہیں.
[4] قوله: [وهذا حكم صحيح] ردّ على الوجه الأوّل من أنّ نفي الريب بالكليّة ممّا لا يصحّ أن يُحكَم به. قوله لكن يُنكِره أي: لكن يُنكِر هذا الحكم الصحيح. قوله كغيره أي: كإنكار غير هذا الحكم الصحيح من الأحكام الصحيحة. قوله من الأشقياء فاعل يُنكِره فـمِنْ فيه زائدة أو تبعيضيّة.
[5] قوله: [لكن تُرِك تأكيده] إن قيل إنّ لاَ التي لنفي الجنس واسميّة الجملة تفيدان التأكيد فكيف يصحّ قوله تُرِك تأكيده, قيل لاَ لنفي الجنس تفيد تأكيد استغراق النفي وأثرُه راجع إلى المحكوم عليه بمعنى أن لا يخرج شيء من أفراده ولا دخل لها في تأكيد الحكم, وأمّا اسميّة الجملة فليست من المؤكِّدات مطلقاً بل إذا قصد بها التأكيد عند اقتضاء المقام إيّاه.