من المتكلّم في الذي كان أنه لا يكون كقولك للشيء وهو بِمَرْأًى ومَسْمَعٍ من المُخاطَب: إنه كان من الأمر ما ترى [1] و أحسنتُ إلى فلان ثمّ إنه فَعَل جزائي ما ترى [2] وعليه: ﴿إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ﴾ [آل عمران:٣٦] و﴿ رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ ﴾ [الشعراء:١١٧], ومن خصائصها[3] أنّ لضمير الشأن معها حسناً ليس بدونها بل لا يصحّ بدونها[4] نحو: ﴿ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ﴾ الآية و﴿مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوٓءَۢا بِجَهَٰلَةٖ﴾ [الأنعام:٥٤] و﴿ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾ [المؤمنون:١١٧], ومنها[5]
[1] قوله: [إنّه كان من الأمر ما ترى] كان فيه تامّة ومن الأمر حالٌ من ما ترى بيانٌ له, فلمّا كان ذلك الشيء بمرأى ومسمع من المخاطب لم يكن له مجال إنكاره والتردّد فيه فـإنّ هنا لاستبعاد المتكلِّم وجودَه أي: إنّ الأمر قد وجد ولم أكن أظنّ وجوده.
[2] قوله: [ثمّ إنّه فَعَل جزائي ما ترى] ما ترى بدلٌ من جزائي أو بيانٌ له أو مفعولٌ ثانٍ لـفَعَل بتضمينه معنى الجعل, فلمّا كان ما جزاه به بمرأى من المخاطَب لم يكن له مجال إنكاره أو الشكّ والتردّد فيه فـإنّ هنا لاستبعاد المتكلِّم ذلك الجزاءَ أي: إنه فعل هذا الجزاء ولم أكن أظنّ ذلك. قوله وعليه: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعۡتُهَآ أُنثَىٰ﴾ فإنها لم تكن تظنّ وضعها أنثى بل ترجو وضعها ذكراً. قوله ﴿رَبِّ إِنَّ قَوۡمِي كَذَّبُونِ﴾ فإنه لم يكن يظنّ تكذيبهم إيّاه بل يرجو التصديق.
[3] قوله: [ومن خصائصها إلخ] أي: ومن خصائص إنّ أنّ لضمير الشأن معها حسناً ليس بدونها, ووجه حسنه معها أنّ ضمير الشأن يستعمل في مقام الإجمال ثمّ التفصيل لاعتناء المتكلِّم بشأنِ الحكم وتقريرِه في ذهن السامع وإنّ أدخل فيه لأنها مفيدة لتأكيد الحكم.
[4] قوله: [بل لا يصحّ بدونها] عطف على ما قبله بحسب المعنى أي: لا يحسن بدونها أصلاً بل لا يصحّ, ترقٍّ من نفي حسن ضمير الشأن بدون إنّ إلى نفي صحّته بدونها, ثمّ هذا الحكم مختصّ بما إذا كانت الجملة المُفسِّرة شرطيّة أو فعليّة كما يدلّ عليه تمثيل الشارح, وقد نصّ عليه الشيخ عبد القاهر في "دلائل الإعجاز", فلا يرد نحو قوله تعالى: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾ على تقدير كون الضمير للشأن.
[5] قوله: [ومنها إلخ] أي: ومن خصائصها أنها تُهَيِّءُ النكِرةَ إلخ, وذلك لأنّ تقديم كلمة إنّ كتقديم الفعل لكونها مشبَّةً به ومتضمِّنةً لمعناه فيصحّ وقوع النكرة بعدها كما يصحّ وقوع النكرة بعد الفعل. قوله لأنْ تَصلُح مبتدأً أي: مسنداً إليه بطريق ذكر الخاصّ وإرادة العامّ, والقرينة أنّ النكرة الواقعة بعد إنّ اسمُها وليست بمبتدأ في اصطلاح النحاة, أو المراد أنها تصلح مبتدأ محلاًّ.