تَهْيِئَةُ النكِرة لأن تَصلُح مبتدأً كقوله[1]: إِنَّ شَوَاءً وَّنَشْوَةً وَخَبَبَ الْبَازِلِ الأَمُوْنِ, وإن كانت النكِرة موصوفة[2] تراها مع إنّ أحسن كقوله: إِنَّ دَهْراً يَلُفُّ شَمْلِيْ بِسُعْدَى * لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالإحْسَانِ, ومنها[3] حذف الخبر نحو: إنّ مالاً وإنّ ولداً و إنّ زيداً وإنّ عمراً فلو أسقطت إنّ لم يحسن الحذف أو لم يجز انتهى كلامه. وقد يُترَك[4] تأكيد الحكم المُنكَر لأنّ نفس المتكلّم لا تساعده على تأكيده لكونه غيرَ معتقِدٍ له[5] أو لأنه لا يَرُوج منه ولا يُتقبَّل
[1] قوله: [كقوله] أي: كقول السائب بن ربيعة, والشَواء اللحم المشويّ, والنشوة الفرح, والخبب السير السريع, والبازل البعير البالغ السنة التاسعة أو الثامنة, والأمون القويّ, فالشواء اسم إنّ وما بعده عطف عليه, وخبر إنّ بعد أربعة أبيات وهو قوله من لذة العيش إلخ.
[2] قوله: [وإن كانت النكِرة موصوفة] أي: صالحةً لأنْ تكون مبتدأ بدون إنّ. قوله تراها مع إنّ أحسن أي: من النكِرة المحضة. قوله دَهْراً اسم إنّ, وجملة يَلُفُّ شَمْلِيْ إلخ صفته, واللفّ الجمع والشمل التفرّق. قوله بِسُعْدَى أي: بوصالها, والباء سببيّة متعلِّقة بـيَلُفُّ, وسُعْدَى اسم حبيبته. قوله لَزَمَانٌ خبر إنّ, وجملة يَهُمُّ بِالإِحْسَانِ صفته, والهمّ القصد.
[3] قوله: [ومنها إلخ] أي: ومن خصائص إنّ أنه يجوز حذف خبر إنّ المُكرَّرة إذا كان الخبر ظرفاً نحو إنّ مالاً إلخ أي: إنّ لنا مالاً وإنّ لنا ولداً, ونحو إنّ زيداً إلخ أي: إنّ عندنا زيداً وإنّ عندنا عمراً. قوله لم يحسن أو لم يجز كلمة أو للتخيير في التعبير لأنّ ما لم يحسن لا يجوز في عرفهم.
[4] قوله: [وقد يُترَك إلخ] بيانٌ للكليّة المذكورة بقوله ولا يجب في كلّ كلام مُؤكَّد إلخ على غير ترتيب اللفّ كما أنّ كلام الشيخ كان بياناً وتأييداً لقوله لا ينحصر فائدة إنّ في تأكيد الحكم إلخ وحاصله أنّ تأكيدَ الحكم وتركَه كما يكون راجعاً إلى المُخاطَب كذلك قد يكون راجعاً إلى المتكلِّمِ نفسِه فقد يُؤكِّد الحكمَ المُسلَّم لإظهارِ صدق رغبته وكونِه رائجاً منه يتلقّاه السامع بالقبول ويُصغِي إليه بشراشره, وقد يَترُكُ تأكيد الحكم المُنكَر لعدم رغبته فيه لكونه غيرَ معتقد له.
[5] قوله: [لكونه غيرَ معتقِدٍ له] أي: لكون المتكلِّم غيرَ معتقِدٍ للحكم فإنه إذا لم يكن معتقِداً له لا يكون له وقعٌ واعتدادٌ عنده فلا يقصد تأكيدَ وتقريرَه, وإنّما يتكلّم به ضرورةً. قوله ولا يُتقبَّل على لفظ التوكيد أي: بخلاف ما إذا أورده غيرَ مُؤكَّد فإنه لا يبعد قبوله منه, وهذا عطف تفسير لقوله لا يَروج منه.