نَصّ عليه الشيخ[1] في "دلائل الإعجاز" وقال: لم تُرِدْ بالإقبال والإدبار غيرَ معناهما حتّى يكون المجاز في الكلمة, وإنّما المجاز في أنْ جَعَلَتْها لكثرة ما تُقبِل وتُدبِر[2] كأنها تجسّمت من الإقبال والإدبار, وليس أيضاً[3] على حذفِ المضاف وإقامةِ المضاف إليه مقامه وإن كانوا يذكرونه منه[4] إذ لو قلنا: أريد إنّما هي ذات إقبال وإدبار أفسدنا الشِعر على أنفسنا وخرجنا إلى شيء مغسول وكلام عاميّ مرذول لا مَساغ له عند من هو صحيحُ الذوق والمعرفة نَسّابةٌ للمعاني, ومعنى تقدير المضاف فيه[5] أنه لو كان الكلام قد جيء به على
[1] قوله: [نَصّ عليه الشيخ إلخ] أي: صرّح الشيخ بكون قول الخنساء هذا مجازاً عقليًّا. قوله وقال إلخ فيه ردٌّ لما يجاب به من جانب المصـ من أنّ الإقبال والإدبار بمعنى المُقبِلة والمُدبِرة فيكون إسنادهما إلى الناقة حقيقةً عقليّةً لا مجازاً عقليًّا بل مجازاً لغويًّا ومجازاً في الكلمة ومجازاً في الطرف.
[2] قوله: [لكثرة ما تُقبِل وتُدبِر] أي: لكثرة إقبال الناقة وإدبارها, وهذا علّة الجعل. قوله كأنها تجسّمت إلخ أي: فالحكم المُفاد بقولها وهو الاتّحاد بين الناقة والإقبال والإدبار خارج عن موضعه عند العقل بتأويل أنها صارت بكثرة الإقبال والإدبار كأنها عينهما وتجسّمت منهما فيكون مجازاً عقليًّا.
[3] قوله: [وليس أيضاً إلخ] ردٌّ لما يجاب به من جانب المصـ بوجه آخر من أنّ تقدير قولها: إنّما هي ذات إقبال وذات إدبار فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كما ذكره القوم, فيكون إسنادهما إليها حقيقة عقليّة لا مجازاً عقليًّا بل مجازاً بالحذف, وحاصل الردّ أنّ مقصود الخنساء المبالغة في بيان إقبال الناقة وإدبارها ولتَفوتنّ هذه المبالغة على ذلك التقدير.
[4] قوله: [وإن كانوا يذكرونه منه] أي: وإن كان القوم يذكرون أنّ هذا القول من قبيل تقدير المضاف. قوله إذ لو قلنا إلخ تعليل لقوله وليس أيضاً إلخ وقد مرّ حاصله. قوله شيء مغسول أي: خالٍ عن المزايا واللطائف لفوات المبالغة المقصودة فيصير كشيء منقوش غُسِل فذهب نقشه المستحسنة. قوله وكلام عاميّ مرذول إلخ مرادف لما قبله. قوله نَسّابةٌ للمعاني أي: عالمٌ بلطائف المعاني وخصوصيّاتها والتاء فيه للمبالغة, والنَسّابة العالم بالأنساب.
[5] قوله: [ومعنى تقدير المضاف فيه إلخ] تأويلٌ لما يذكر القوم من أنه بتقدير المضاف صيانةً لكلامهم عن البطلان, وحاصل التأويل أنه ليس معنى تقدير المضاف فيه أنه مقدَّرٌ فيه ومرادٌ وإلاّ للزم بطلان كلامهم بل معناه أنه لو كان الكلام إلخ.