إنّ تشبيه الربيع بالقادر في تعلّق وجود الفعل به ليس هو التشبيه الذي يفاد بـ كأنّ والكافِ ونحوِهما وإنّما هو عبارة عن الجهة التي راعاها المتكلّم حين أعطى الربيع حكم القادر في إسناد الفعل إليه وهو مثل قولنا[1]: شُبِّه مَا بـ لَيْسَ فرُفِع بها الاسم ونُصِب الخبر, فإنّ الغرض بيان تقديرٍ قدّروه في نفوسهم وجهةٍ راعوها في إعطاء مَا حكمَ لَيْسَ في العمل (كقولهم: عِيشة راضية ) فيما بني للفاعل وأسند إلى المفعول به إذ العِيشة مَرضِيّة (و سَيل مُفعَم ) في عكسه[2] إذ المُفعَم اسم مفعول من أفْعَمْتُ الإِناءَ ملأته, وقد أسند إلى الفاعل (و شِعر شاعر ) في المصدر والأولى أن يُمثِّل[3] بنحو: جَدَّ جِدُّه لأنّ الشِعر وإن كان على لفظ المصدر فهو بمعنى المفعول لا بمعنى تأليف الشِعر فيكون من قبيل
[1] قوله: [وهو مثل قولنا إلخ] تشبيه الربيع بالقادر بتشبيه مَا بـلَيْسَ في أنهما ليسا بمقصودين بالذات بل كلّ منهما مقصود بالغير فتشبيهُ الربيع بالقادر لصحّة إسناد الفعل إليه وتشبيهُ مَا بـلَيْسَ لصحّة إعطاء مَا حكمَ لَيْسَ في العمل. قوله فإنّ الغرض أي: من تشبيه مَا بـلَيْسَ. قوله قدّروه في نفوسهم أي: النحاة لأنّ مسائل النحو إنّما هي نِكات بعد الوقوع. قوله وجهةٍ أي: وجهٍ.
[2] قوله: [في عكسه] أي: فيما بني للمفعول وأسند إلى الفاعل إذ السَيل مُفعِم للوادي. قوله في المصدر أي: فيما بني للفاعل وأسند إلى المصدر.
[3] قوله: [والأولى أن يُمثِّل إلخ] إنّما قال والأولى إلخ ولم يقل والصواب إلخ لأنّ كون الشِعر بمعنى المفعول أي: بمعنى الكلام المنظوم إنّما هو بحسب المعنى المتعارف المتبادر إلى الفهم أمّا بحسب أصل اللغة فيصحّ بالمعنى المصدريّ أيضاً أي: بمعنى تأليف الكلام المنظوم. قوله فيكون من قبيل إلخ أي: فيكون من قبيل إسناد المبنيّ للفاعل إلى المفعول مع أنّ المقصود تمثيل الإسناد إلى المصدر.