عِيشة راضية , وحقيقته[1] ما ذكره المَرزوقيُّ وهو أنّ من شأن العرَب أن يشتقّوا من لفظ الشيء الذي يريدون المبالغة في وصفه ما يُتبِعُونه به تأكيداً وتنبيهاً على تناهيه, من ذلك قولهم: ظِلٌّ ظَلِيْلٌ و دَاهِيَةٌ دَهْيَاءُ و شِعْرٌ شَاعِرٌ (و نهاره صائم ) في الزمان[2] (و نهر جار ) في المكان (و بنى الأمير المدينة ) في السبب الآمر و ضربه التأديب في السبب الغائيّ, ومثله[3]: ﴿يَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡحِسَابُ﴾ [إبراهيم:٤١] أي: أهله لأجله, وقد خرج[4] من تعريفه للإسناد المجازيّ أمران أحدهما وصف الفاعل أو المفعول بالمصدر نحو: رجل عدل و إنّما هي إقبال وإدبار على ما مرّ[5] والثاني وصف الشيء بوصف مُحدِثِه[6] وصاحبِه
[1] قوله: [وحقيقته إلخ] أي: وأصل شعر شاعر وما يفيده مثلُ هذا الإسناد ما ذكره المرزوقيّ, فهذا بيانٌ لفائدة مثل هذا الإسناد, وحاصله أنّ العرَب إذا أرادوا المبالغة في وصف الشيء اشتقّوا من لفظه صيغة الصفة ويجعلونها تابعاً له للتأكيدِ والتنبيهِ على تناهيه في الكمال بحيث ينتزع عنه آخر مثله؛ وذلك لأنّ إطلاق المشتقّ على الشيء يقتضي قيامَ مبدأ الاشتقاق به فيفيد قولك: شعر شاعر على تناهي الشعر في الكمال, والداهية الأمر العظيم, ودواهي الدهر ما يصيب الإنسان من عظيم نوبه.
[2] قوله: [في الزمان] أي: فيما بني للفاعل وأسند إلى الزمان, وقس عليه قولَه في المكان وما بعده.
[3] قوله: [ومثله إلخ] أي: ومثلُ ضربه التأديب قولُه تعالى: ﴿يَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡحِسَابُ﴾ في إسناد الفعل المبنيّ للفاعل إلى السبب الغائيّ فإنّ القائمين هم أهل الحساب لأجل الحساب.
[4] قوله: [وقد خرج إلخ] اعتراض على تعريف المصـ للمجاز العقليّ بأنه غير جامع للأفراد إذ خرج منه نحو رجل عدل والأسلوب الحكيم والعذاب الأليم مع أنه من قبيل المجاز العقليّ.
[5] قوله: [على ما مرّ] من أنه إسناد إلى ما هو له, إن قيل قد مرّ الجواب عنه فيما سبق فلِم أعاده ههنا؟ قيل كان ذكره الشارح فيما سبق للاعتراض على تعريف الحقيقة العقليّة بأنه غير مانع عن دخول الغير فيه وذكره ههنا للاعتراض على تعريف المجاز العقليّ بأنه غير جامع لأفراده فاختلفت الجهتان.
[6] قوله: [وصف الشيء بوصف مُحدِثه] كوصف الكتابِ والأسلوبِ بالحكيم وهو وصف صاحبِ الكتاب ومُحدِثِ الأسلوب. قوله وصاحبه عطف تفسير. قوله فإنّ المبنيّ إلخ إشارة إلى كونه مجازاً عقليًّا. قوله لكن لا إلى المفعول إلخ بيانٌ لخروجه من تعريف المصـ للمجاز العقليّ, وحاصله أنّ الظاهر من كلام المصـ في تعريف المجاز ومن قوله وله ملابسات شتّى إلخ أنّ المفعول الذي يكون إسناد المبنيّ للفاعل إليه مجازاً يجب أن يكون ممّا يلابسه ذلك المسند, والكتاب والأسلوب ليسا ممّا يلابسه الحكيم لأنه مشتقّ من حَكُمَ أي: صار حكيماً مُتقِناً للأمور فهو لازم لا يتعلّق بالمفعول.