ليس ممّا يلابسه ذلك المسند, ويمكن الجواب عن الأوّل بأنه ليس عنده بمجاز[1] كما أنه ليس بحقيقة, وعن الثاني بأنّ المُلابَسة أعمّ[2] من أن يكون بواسطة حرفٍ أو بدونها, وهذه الصّور من قبيل الأوّل إذ الأصل[3] هو حكيم في أسلوبه وكتابه, وبعيد وأليم في ضلاله وعذابه فيكون ممّا بني للفاعل وأسند إلى المفعول بواسطة فتأمّل وقِسْ عليه نظائرَه, والمعتبر عند صاحب[4] "الكشاف" تلبّس ما أسند إليه الفعل بفاعله الحقيقيّ لأنه قال: المجاز العقليّ أنْ يُسنَد الفعل إلى شيء يتلبّس بالذي هو في الحقيقة له كتلبّس التجارة بالمشترين في قوله تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ﴾ [البقرة:١٦], ولك أن تجعل أمثال هذا[5]
[1] قوله: [ليس عنده بمجاز إلخ] لأنه إسناد إلى المبتدأ والإسناد إلى المبتدأ ليس عنده بحقيقة ولا مجاز لأنّ المبتدأ ليس من ملابَسات الفعل أو معناه.
[2] قوله: [بأنّ المُلابَسة أعمّ إلخ] حاصله أنّ ملابَسة ما أُسْنِد لما أُسْنِد إليه لا يلزم أن تكون بلا واسطة حرف بل هي أعمّ من أن تكون بلا واسطة حرف أو تكون بواسطة حرف وملابسةُ ما أُسْنِد لما أُسْنِد في الصُوَر المذكورة بواسطة حرف فلا يخرج مثل هذه الصُوَر عن تعريف المجاز العقليّ.
[3] قوله: [إذ الأصل إلخ] أي: إذ أصلُ الكتاب الحكيم والأسلوب الحكيم والضلال البعيد والعذاب الأليم: هو حكيم في كتابه وهو حكيم في أسلوبه وهو بعيد في ضلاله وهو أليم في عذابه, فتكون هذه الأمثلة من قبيل ما هو مبنيّ للفاعل وأسند إلى المفعول بواسطة حرف, فلا تخرج عن التعريف.
[4] قوله: [والمعتبر عند صاحب إلخ] أي: المعتبر عنده في المجاز العقليّ هو تلبّس ما أُسْنِد إليه بالفاعل الحقيقيّ لما أُسْنِد لا تلبّس ما أُسْنِد إليه بما أُسْنِد, وعلى هذا فالأمثلة السابقة تدخل في المجاز العقليّ بلا تكلّفٍ ومؤنةِ تعميم التلبّس, ولعلّ غرض الشارح من هذا الكلام الإشارة إلى رجحان تعريف صاحب "الكشّاف" للمجاز العقليّ على تعريف صاحب "التلخيص" له.
[5] قوله: [ولك أن تجعل أمثال هذا إلخ] إشارة إلى الجواب الثاني عن الأمر الثاني, حاصله أنا لا نُسلِّم أنّ المسند في الأمثلة السابقة ليس من ملابَسات ما أُسْنِد إليه بل هو من قبيل الإسناد إلى السبب لأنّ الكتاب والأسلوب سبب علم الحكمة والضلال والعذاب سبب للبعد والإيلام.