المجاز العقليّ أعمّ من أن يكون في النسبة الإسناديّة أو غيرها, فكما أنّ إسناد الفعل إلى غير ما حقّه أن يسند إليه مجاز فكذا إيقاعه على غير ما حقّه أن يوقع عليه وإضافة المضاف إلى غير ما حقّه أن يضاف إليه لأنه جاز موضعَه الأصليَّ[1] فالمذكور في الكتاب إمّا تعريف للمجاز العقليّ في الإسناد خاصّة[2] أو لمطلقه باعتبار أن يُجعَل الإسناد المذكور في التعريف أعمّ من أن يَدُلّ عليه الكلام بصريحه كما مرّ أو يكون مستلزماً له كما في هذه الأمثلة فإنه جُعِل فيها[3] البينُ شاقًّا والليلُ والنهارُ ماكرَين والليلةُ مسروقةً والأمرُ مُطاعاً, وكذا فيما جُعِل[4] الفاعل المجازيّ تمييزاً كقوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا﴾ لأنّ التمييز في الأصل فاعل فتدبّر[5] فإنه بحث نفيس, واعلم أنّ هذا المجاز قد يُدَلّ عليه صريحاً كما
[1] قوله: [لأنه جاز موضعَه الأصليَّ] أي: لأنه جاوز إلخ, وهذا تقرير لكون الإطلاق المذكور بطريق الحقيقة, وحاصله أنه لمّا تحقّق ما هو مناط إطلاق المجاز فيها فالحمل على الحقيقة أولى لأنّ الأصل هو الحقيقة, ثمّ لمّا كان إطلاق المجاز عليها بطريق الحقيقة مقتضِياً لكون التعريف غيرَ جامع للأفراد أجاب عنه بقوله فالمذكور في الكتاب إلخ وقد مرّ بيانُ حاصله.
[2] قوله: [خاصّة] أي: فحينئذ إن خرج عن التعريف المجازُ العقليّ في النِسَب الإضافية والإيقاعيّة فلا بأس بل ذلك ينبغي. قوله أو لمطلقه أي: أو المذكور في الكتاب تعريفٌ لمطلق المجاز العقليّ في الإسناد كان أو في النسَب المذكورة, والجواب حينئذ بتعميم الإسناد من أن يكون صريحاً كما في أنبت الربيع البقل أو مستلزماً له كما في هذه الأمثلة.
[3] قوله: [فإنه جُعِل فيها إلخ] تعليل لاستلزام الأمثلة المذكورة إسناداً أي: لأنه جُعِل في المثال الأوّل البَيْنُ شاقًّا مع أنّ الشاقّ الزوجان في حالة واقعة بينهما, وقس عليه الأمثلة الباقية.
[4] قوله: [وكذا فيما جُعِل إلخ] أي: ومثل السؤال والجواب في النِسَب الإضافيّة والإيقاعيّة السؤالُ والجواب فيما جُعِل الفاعل المجازيّ تمييزاً كما في قوله تعالى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ سَبِيلٗا﴾ وذلك لأنّ التمييز هنا مُحوَّل عن الفاعل فكان المكان والسبيل فاعلي شرّ وأضلّ وهما ليسا بفاعلَين حقيقيَّين لهما بل فاعلَين مجازيَّين فإسنادهما إليهما مجاز عقليّ, ففيه السؤال والجواب مثل ما مرّ.
[5] قوله: [فتدبّر] لتكون على بصيرة في أمثال المقام. قوله فإنه بحث نفيس تعليل للأمر بالتدبّر, وفيه تقوية لداعي المأمور. قوله واعلم إلخ تحقيقٌ للمقام ببيان مسئلة مُهمّة.