من قبيل الإسناد إلى السبب, فإن قيل[1]: كثيراً مّا يُطلَق المجاز العقليّ على ما لا يشمله هذا التعريف من نحو قوله تعالى: ﴿شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا﴾[2] [النساء:٣٥] و﴿مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ [سبأ:٣٣], وقول الشاعر: يَا سَارِقَ اللَيْلَةِ أهْلَ الدَارِ وقولنا: أعْجَبَنِيْ إنْباتُ الرَبيعِ وجَرْيُ الأنهارِ , ونحو قوله تعالى[3]: ﴿وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الشعراء:١٥١][4] وقولنا: نَوَّمْتُ الليلةَ و أَجْرَيْتُ النَهْرَ وما أشبه ذلك من النِسَب الإضافيّة أو الإيقاعيّة, فالجواب[5] أنّ
[1] قوله: [فإن قيل إلخ] حاصله أنه يُطلَق المجازُ العقليّ على بعض النِسَب الإيقاعيّة والإضافيّة والتعريفُ لا يشملها! فهل يصحّ هذا الإطلاق أو لا, على الثاني يُشكِل الإطلاق! وعلى الأوّل فهل يصحّ على سبيل الحقيقة أو المجاز تشبيهاً له بالمجاز العقليّ, على الثاني لا إشكال, وعلى الأوّل يُشكِل التعريف.
[2] قوله: [﴿شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا﴾] حقيقته: وإن خفتم شقاق الزَوجَين في الحالة الواقعة بينهما فإضيف المصدر إلى المكان. قوله ﴿مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ﴾ أصله: ومكر الناس في الليل والنهار فإضيف المصدر إلى الزمان. قوله يَا سَارِقَ اللَيْلَةِ أصله: يا سارقَ المتاعِ اللَيْلةَ فإضيف السارق إلى الليلة إضافة لفظيّة على طريق التوسّع, وانتصابُ أهْلَ الدارِ بتقدير أُحَذِّرُ أهْلَ الدَارِ. قوله أعْجبَنِي إلخ أصله: أعجبني إنبات الله في الربيع وأعجبني جري الماء في الأنهار فأضيف المصدر إلى الزمان والمكان.
[3] قوله: [ونحو قوله تعالى إلخ] فصله عمّا قبله إشارة إلى أنّ ما قبله من أمثلة المجاز العقليّ في النِسَب الإضافيّة وهذا من أمثلة المجاز العقليّ في النِسَب الإيقاعيّة, وهي نسبة الفعل إلى المفعول به.
[4] قوله: [﴿وَلَا تُطِيعُوٓاْ أَمۡرَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾] أصله: ولا تطيعوا المسرفين في أمرهم فأوقع لا تطيعوا على الأمر وحقُّه إيقاعُه على ذي أمر. قوله نَوَّمتُ الليلةَ أصله: نوّمتُ الشخص في الليلة فأوقع التنويم على الزمان وحقُّه إيقاعُه على الشخص. قوله أجْرَيْتُ النَهْرَ أصله أجريتُ الماءَ في النهر فأوقع الإجراء على النهر وحقُّه إيقاعُه على الماء.
[5] قوله: [فالجواب إلخ] تقرير لوجود المجاز العقليّ في النِسَب الإضافيّة والإيقاعيّة, فيكون الإطلاق المذكور صحيحاً وبطريق الحقيقة, وفيه ردّ على من قال إنّ إطلاق المجاز العقليّ عليها بطريق المجاز لمشابهتها بالمجاز العقليّ, وخلاصة الجواب تخصيصُ المعرَّف أو تعميمُ التعريف بجعل الإسناد فيه أعمّ, والمجازات المذكورة وإن لم تكن إسناداتٍ صريحةً لكنها مستلزمة لها فلا تخرج عن التعريف.