هذا الكتاب, ثُمّ أيّ سرّ في التعرّض لإخراج نحو قول الجاهل دون الأقوال الكاذبة وهذا القيد يخرجهما جميعاً؟ قلتُ: السرّ فيه أنّ صاحب "المفتاح" عرّف المجاز العقليّ بأنه الكلام المُفاد به خلاف ما عند المتكلّم من الحكم فيه[1] بضرب من التأوّل إفادةً للخلاف لا بواسطة وضع, وقال[2] إنّما قلت: خلاف ما عند المتكلّم دون ما عند العقل لئلاّ يمتنع طَرْدُه بمثل قول الدَهْريّ: أنبت الربيع البقل وعَكْسُه بمثل قولنا: كَسَا الخليفةُ الكعبةَ إذ ليس في العقل امتناع أن يكسو الخليفة نفسه الكعبة, وإنما قلت: بضرب من التأوّل ليحترز به عن الكذب, واعترض عليه[3] المصنّف بأنا لا نسلّم بطلانَ طرده بما ذكر لخروجه بقوله: بضرب من التأوّل ولا بطلانَ عكسه بما ذكر لأنّ المراد بخلاف
[1] قوله: [من الحكم] بيانٌ لـما أو لـخلاف. قوله فيه صفة الحكم أي: الحكم الكائن في حقيقة ذلك الكلام. قوله بضرب من التأوّل احتراز عن الكذب. قوله إفادةً مفعول مطلق لقوله المُفاد ذكره ليتعلّق به اللام في قوله للخلاف, وإنّما أعاد لفظ الخلاف ليظهر تعلّق الباء في قوله لا بواسطة الوضع به أي: إفادةً لحكم مخالف لحكم عند المتكلِّم بواسطة العقل لا بواسطة الوضع.
[2] قوله: [وقال إلخ] أي: وقال السكّاكي بياناً لفائدة العبارة إلخ وحاصله أنه لو قال ما عند العقل مكان قوله ما عند المتكلِّم لم يكن تعريف المجاز العقليّ مُطّرِداً أي: مانعاً عن دخول الغير إذ دخل حينئذ فيه نحو قول الدهريّ: أنبت الربيع البقل لأنه يصدق عليه أنه خلاف ما عند العقل مع أنه حقيقة عقليّة, وكذا لم يكن التعريف مُنعكِساً أي: جامعاً لأفراد المُعرَّف إذ خرج حينئذ عنه نحو كَسَا الخليفةُ الكعبةَ لأنه لا يصدق عليه أنه خلاف ما عند العقل مع أنه مجاز عقليّ.
[3] قوله: [واعترض عليه إلخ] أي: في "الإيضاح", وحاصله أنه لو قال ما عند العقل لم يلزم عدم طرد التعريف بقول الدهري لأنّ قوله بضرب من التأوّل مُخرِج له عنه, وكذا لم يلزم عدم عكسه بـكَسَا الخليفةُ الكعبةَ لأنه إنّما يلزم لو كان المراد بقوله خلاف ما عند العقل خلاف ما يحضر عنده وليس كذلك بل المراد به خلاف ما يقتضيه العقل ويرتضيه وهو خلاف ما في نفس الأمر وكسوُ الخليفة الكعبةَ خلاف ما في نفس الأمر إذ هو لا يكسوها بل هي تُكسَى بأمره فلا يخرج عن التعريف.