ويجرّني رفعٌ إلى خفض حتّى أنختُ[1] بمحروسة هراة حماها الله عن الآفات, ففتح الله عَينَيَّ منها على جنّة النعيم بلدة طيّبة ومقام كريم: لَقَدْ جُمِعَتْ فِيْهَا الْمَحَاسِنُ كُلُّهَا * وَأَحْسَنُهَا الْإِيْمَانُ وَالْيُمْنُ وَالْأَمْنُ فشاهدتُ أنْ قد سَطعتْ[2] أنوار العلم والهداية, وخمِدت نِيران الجهل والغَواية, وظَلّ ظِلُّ المُلْك ممدوداً[3] ولِواءُ الشرع بالعِزّ معقوداً, وعاد[4] عُود الإسلام إلى رُوائه, وآض روض الفضل إلى مائه, ونُظِم[5] شمل الخلائق بعد الشَتات,
[1] قوله: [حتّى أنختُ إلخ] من أنختُ الجمل فاستناخ فالمفعول محذوف أو متروك, والمراد به مجرّد الإقامة. قوله هراة وهي مدينة مشهورة بخراسان. قوله منها أي: من جهتها, أو مِنْ فيه تجريديّة كما في رأيت من زيد أسداً. قوله بلدة بدل من جنّة النعيم أو عطف بيان له جيء به للمدح لا لإيضاح المتبوع. قوله كريم من كرُم الرجل ووصف المقام به مجازيّ أي: كريم أهله, أو من كرمت الأرض إذا زكى زرعها.
[2] قوله: [سَطعتْ] أي: ارتفعتْ. قوله أنوار العلم شبّه العلم والهداية بالأنوار في الإصلاح وأضاف المشبّه به إلى المشبّه كما في لجين الماء. قوله وخمِدتْ أي: طفِئتْ. قوله نيران الجهل النيران جمع النار, والإضافة من قبيل ذهب الأصيل, والغواية سلوك طريق لا يوصل إلى المطلوب.
[3] قوله: [وظَلّ ظِلُّ المُلْك ممدوداً] المُلك بالضمّ فالسكون المملكة شبّه المُلْك بشجرة مكنيّةً وأثبت له الظلّ تخييلاً, ويحتمل أن يكون الملك بالفتح فالكسر شبّه المَلِك بالظِلّ في الراحة وأضاف المشبّه به إلى المشبّه أي: وصار راحته منبسطة وشاملة لجميع الأنام. قوله ولِواءُ الشرع عطف على ظِلُّ المُلْك واللواء الراية, والشرع الإظهار والمراد به الطريقة المخصوصة المشروعة ببيان النبيّ عليه الصلاة والسلام. قوله بالعزّ أي: بالغلبة, متعلِّق بقوله معقوداً أي: مربوطاً محكماً.
[4] قوله: [وعاد إلخ] من العَود وهو الرجوع, والعُود الخشب, والرُواء المنظر الحسن, وتشبيه الإسلام بالشجرة استعارة مكنيّة وإثبات العُود له تخييليّة وذكر الرُواء ترشيحيّة. قوله وآض أي: وعاد. قوله روض الفضل الإضافة من قبيل لجين الماء.
[5] قوله: [ونُظِم إلخ] أي: وجُمِع, والشمل ما تشتّت من الأمر وما اجتمع أيضاً فهو من الأضداد, والأظهر هنا المعنى الثاني, والشَتات التفرّق, ووصل الحبل هو الاتّفاق, والبتات القطع.