مَلِكَ الآفَاقَ سَطْوَتُهُ * وَالْحَقَّ كَانَ مُدَاهُ أَيَّةً سَلَكَا * يَحُوْمُ[1] حَوْلَ ذُرَاهُ الْعَالِمُوْنَ كَمَا * تَرَى الْحَجِيْجَ بِبَيْتِ اللهِ مُعْتَرِكَا * يُحْيِيْ[2] نَسِيْمُ رِضًا مِنْهُ الزَّمَانَ وَكَمْ * مُكَافِحٍ بِلَظًى مِنْ سُخْطِهِ هَلَكَا * أَطَارَ[3] صَاعِقَةً مِنْ نَصْلِهِ فَبِهَا * إِلَى السَّمَاكِ لِوَاءُ الشَّرْعِ قَدْ سَمَكَا * وَصَادَفَ[4] الرُّشْدَ مِنْهَا كُلُّ مُعْتَسِفٍ * قَدْ كَانَ فِيْ ظُلُمَاتِ الْغَيِّ مُنْهَمِكَا * فَالدِّيْنُ صَارَ قَرِيْرَ الْعَيْنِ[5] مُبْتَسِماً * وَالْمَلِكُ أَقْبَلَ بِالإقْبَالِ مُمْتَسِكَا *
[1] قوله: [يَحُوْمُ إلخ] أي: يجول إلخ, والذُرَى معظّم كلّ شيء والمراد هنا القصر المرتفع. قوله كما ترى إلخ الخطاب عامّ لكلّ من يتأتّى منه الرؤية, والحجيج اسم الجمع للحاجّ فجاز عود الضمير إليه مفرداً مذكّراً, والاعتراك الازدحام يعني أنّ حومان العلماء حول قصره المرتفع مثل حومان الحجّاج حول البيت وقت رؤيتهم مزدحمِين, ثمّ حومان العلماء حول قصر الخليفة يدلّ على محبّته إيّاهم.
[2] قوله: [يُحْيِيْ إلخ] الإحياء إعطاء الحياة, والنسيم الريح الطيّبة وإضافته إلى الرضى تشبيهيّة بيانيّة والمراد بإحيائه الزمانَ إعطاء نضارته بإفادته الخيرات إلى أهله, وكَمْ خبريّة مفيدة للتكثير, والمُكُافِحُ في الأصل المستقبلُ بوجهه ليس دونه ترس في الحرب والمراد به المُعارض, واللظى النار والباء سببيّة متعلِّقة بـهَلَكَ, والسُخْطُ الغضب ومِنْ سُخْطِهِ صفة لـلَظًى.
[3] قوله: [أَطَارَ إلخ] من الإطارة وهي الإثارة, وفاعله ضمير مستتر للممدوح, والصاعقة نار السماء وهو مفعول أَطَارَ, والنصل حديدة السيف ونحوه, والباء سببيّة وضميرها للصاعقة. قوله إِلَى السَّمَاكِ متعلِّق بـسَمَكَا أي: ارتفع, والسَماك اسم لكوكبين أحدهما السماك الأعزل والآخر السماك الرامح.
[4] قوله: [وَصَادَفَ إلخ] أي: ووجد الهدايةَ, ومِنْ سببيّة وضميرها للصاعقة, والمُعْتَسِفُ المائل عن الحقّ, وكَانَ إمّا تامّة فاعلها ضمير مستتر وفِيْ ظُلُمَاتِ الْغَيِّ متعلِّق بها ومُنْهَمِكَا حال من الفاعل, أو ناقصة فيكون مُنْهَمِكَا خبرها, وإضافة الظلمات إلى الغيّ تشبيهيّة بيانيّة.
[5] قوله: [فَالدِّيْنُ صَارَ قَرِيْرَ الْعَيْنِ] أي: صار باردًا عينُه, وتشبيه الدين في النفس بذي العين استعارة بالكناية وإثبات العين له استعارة تخييليّة وذكر القرّة استعارة ترشيحيّة. قوله مُبْتَسِماً خبر ثان لـصَارَ, والابتسام أوّل مراتب الضحك. قوله بالإقبال أي: بالدولة والعزّ, متعلِّق بـمُمْتَسِكَا أي: متشبِّثاً.