في ضمن الخاصّ عدم إرادته إلاّ في ضمنه, وقد تبيّن أنّ الفساد إنما كان ينشأ من إرادة الخاصّ بخصوصه فلا فساد في إرادة العامّ بعمومه فليتأمّل فإنّ هذا مقام يستصعبه أقوام (ولهذا) أي: ولأنّ مثل[1] قول الجاهل خارج عن المجاز لاشتراط التأوّل فيه (لم يُحمَل نحو قوله) أي: الصَّلَتان العبْديّ[2] (أَشَابَ الصَّغِيْرَ وَأَفْنَى الْكَبِيْـ * رَ كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيِّ, على المجاز) أي: على أنّ إسناد أَشَابَ و أَفْنَى إلى كَرِّ الغَداة ومَرِّ العَشِيّ مجاز (ما) دام[3] (لم يُعلَم أو) لم (يُظَنّ أنّ قائله لم يُرِد ظاهرَه) لعدَم التأوّل[4] حينئذٍ بل حُمِل على الحقيقة لكونه إسناداً إلى ما هو له عند المتكلّم في الظاهر كما مرّ نحو قول الجاهل (كما اسْتُدِلّ) يعني ما لم يُعلَم ولم يُسْتدَلّ بشيء[5] على أنه لم يرد ظاهره مثل الاستدلال (على
[1] قوله: [أي: ولأنّ مثل إلخ] تعيينٌ للمشار إليه بأنه خروج مثل قول الجاهل عن المجاز لاشتراط التأوّل في المجاز, ولم يجعل المشار إليه اشتراط التأوّل مع أنه أولى لكون خروج قول الجاهل متفرِّعاً عليه نظراً إلى قربِ المشار إليه وكونِه مذكوراً صريحاً.
[2] قوله: [أي: الصَّلَتان العبْديّ] الصَّلَتان اسم لشعراء ثلاثة قبائل: عبْديّ وضبيّ وفهميّ, ولذا عيّنه بقوله العبْديّ وهو نسبة إلى عبد القيس ويقال له عبْقَسِيّ, ونسب الجاحظ هذه الأبيات للصَلَتان الضبيّ.
[3] قوله: [دام] ليس هذا إشارة إلى تقدير لفظة دام فإنه لا يجوز حذف الأفعال الناقصة سوى كان لا سيِّما حذف بعضه, بل بيان لحاصل المعنى بجعل ما مصدريّة نائبة عن ظرف الزمان المضاف إلى المصدر المؤوّل أي: لم يحمل على المجاز مدّة انتفاء العلم والظنّ حتّى إذا تحقّق أحدهما يحمل عليه. قوله لم إشارة إلى أنّ قوله يُظَنّ عطف على قوله يُعلَم وداخل تحت النفي.
[4] قوله: [لعدم التأوّل] تعليل لعدم حمله على المجاز. قوله حينئذ أي: حين إذ لم يُعلَم أو يُظَنّ أنّ قائله لم يُرِد ظاهرَه. قوله بل حُمِل على الحقيقة ترقٍّ من عدم الحمل على المجاز إلى الحمل على الحقيقة.
[5] قوله: [ولم يُسْتدَلّ بشيء إلخ] إشارة إلى أنّ قوله كما اسْتُدِلّ مفعول مطلق لفعل محذوف دلّ عليه قوله لم يُعلَم وهو لم يُسْتدَلّ, والمراد بالاستدلال معناه اللغَويّ لا الاصطلاحيّ المقابل للبداهة, فلا يرد أنّ عدم إرادة الظاهر قد يكون بديهيًّا كاستحالة قيام المسند بالمسند إليه.