ومثله:[1] فلْيُنبِت الربيعُ ما شاء و لْيَصُم نهارُك و لْيَجِدّ جِدُّك وما أشبه ذلك ممّا أسند الأمر أو النهي إلى ما ليس المطلوب صدورَ الفعل أو التركَ عنه, ومنه[2] أَجْرِ النَهْرَ و لاَ تُطِع أَمْرَ فُلاَن على ما أشرنا إليه, وكذا ليت النهر جار و﴿أَصَلَوٰتُكَ تَأۡمُرُكَ﴾ [هود:٨٧] ونحو ذلك (ولا بدّ له) أي: للمجاز العقليّ (من قرينةٍ) صارفةٍ عن إرادة ظاهره[3] لأنّ المتبادر إلى الفهم عند انتفاء القرينة هو الحقيقة (لفظيّةٍ كما مرّ) في قول أبي النجم من قوله: أَفْنَاهُ قِيْلُ اللهِ (أو معنويّةٍ كاستحالةِ قِيام المسند بالمذكور) أي: بالمسند إليه[4] المذكور معه (عقلاً) أي: من جهة العقل[5] يعني يكون بحيث لا يَدّعِي أحدٌ من المُحِقِّينَ
[1] قوله: [ومثله: إلخ] فصل هذه الأمثلة عمّا قبلها لأنّ المسند إليه فيما قبلها سبب بخلاف هذه الأمثلة فإنّ المسند إليه فيها زمان ومصدر. قوله وما أشبه ذلك نحو لِيَجْرِ النَهْرُ ولاَ يَنَمْ لَيْلُكَ. قوله ممّا أسند إلخ بيان لـما أشبه ذلك. قوله صدورَ الفعل أو التركَ عنه لفّ ونشر مرتَّب أي: ممّا أسند الأمر إلى ما ليس المطلوب صدورَ الفعل عنه أو أسند النهي إلى ما ليس المطلوب تركَ الفعل عنه.
[2] قوله: [ومنه إلخ] فصلهما عمّا قبلهما لأنّ المجاز فيما قبلهما هو إسناد الأمر أو النهي إلى ما ليس المطلوب صدورَ الفعل أو التركَ عنه بخلاف هذين المثالين فإنّ المجاز فيه هو إيقاع الأمر أو النهي على غير ما حقّه أن يوقعا عليه. قوله وكذا إلخ فصلهما عمّا قبلهما لأنّ الإنشاء فيهما مغائر للأمر والنهي بخلاف الأمثلة السابقة فإنّ الإنشاء فيها أمر أو نهي. قوله ونحو ذلك نحو لعلّ ليلك قائم.
[3] قوله: [صارفة عن إرادة ظاهره] صفة كاشفة للقرينة وبيانٌ للأثر المترتِّب على القرينة. قوله لأنّ المتبادر إلخ دليل لوجوب القرينة للمجاز العقليّ.
[4] قوله: [أي: بالمسند إليه إلخ] إشارة إلى الموصوف لقوله المذكور. قوله معه أي: مع المسند.
[5] قوله: [أي: من جهة العقل] هذا التفسير إمّا إشارةٌ إلى أنّ قوله عقلاً نصب على التمييز أو بيانٌ لحاصل المعنى, وأمّا نصبه فإمّا بنزع الخافض أي: في العقل أو على المصدريّة أي: استحالةَ عقل. قوله يعني يكون إلخ دفع لما يرد من أنه إذا كانت الاستحالة العقليّة قرينة للمجاز العقليّ فلِم جعل قول الدهريّ: أنبت الربيع البقل حقيقة مع أنه يستحيل قيام الإنبات بالربيع في العقل الصحيح, وحاصل الدفع أنّ المراد بالاستحالة العقليّة هنا الاستحالة الضروريّة بحيث لا يدّعي أحدٌ جوازَ قيام المسند بالمسند إليه المذكور معه واستحالة إنبات الربيع ليست كذلك لأنّ العقل المطلق لا يعدّه مستحيلاً.