والمُبْطِلِينَ أنه يجوز قيامه به لأنّ العقل[1] إذا خُلِّي وَنفسَه يَعُدّه محالاً (كقولك: مَحبّتُك جاءت بي إليك أو عادةً) أي: من جهة العادة (نحو: هزم الأميرُ الجُنْدَ ) وقِيام المسند[2] بالمسند إليه أعمّ من أن يكون بجهة صدوره عنه كـ ضرب و هزم أو غيره كـ قرب و بعد و مرض و مات (وصدورِه) عطف على استحالةِ أي: وكصدور الكلام (عن المُوحِّد) فيما يدّعي الموحّد المُحِقّ أنه ليس بقائم بالمذكور وإن كان الدهريّ المُبْطِل يَدّعي قِيامَه به (مثل أَشَابَ الصَّغِيْرَ ) البيت, و أنبت الربيعُ البقلَ فمثل هذا الكلام إذا صدر عن المُوحِّد يُحكَم بأنّ إسناده مجاز لأنّ المُوحِّد لا يعتقِد أنه إلى ما هو له لكنّ أمثال هذا ليست[3] ممّا يستحيله العقل وإلاّ لما ذهب إليه كثير من ذوي العقول ولما احتجنا في إبطاله إلى الدليل (ومعرفة حقيقته) يريد أنّ الفعل[4] في المجاز العقليّ يجب أن يكون
[1] قوله: [لأنّ العقل إلخ] تعليل لقوله لا يَدّعِي إلخ أي: لا يدّعي أحدٌ جوازَ ذلك القِيام لأجل أنّ العقل مطلقاً من غير اعتبار أمر آخر من نظر أو عادة أو إحساس أو تجربة إلى غير ذلك يعدّه محالاً, وظاهر أنّ استحالة قيام الإنبات بالربيع ليست كذلك فلا تكون هذه الاستحالة قرينة للمجاز.
[2] قوله: [وقِيام المسند إلخ] دفع لتوهّم أنّ قيام المسند بالمسند إليه إنّما يكون بطريق صدوره عنه كالضرب والهزم فيخرج عنه مثل المرَض والموت ممّا لا يكون كذلك, وحاصل الدفع ظاهر.
[3] قوله: [لكنّ أمثال هذا ليست إلخ] دفعٌ لتوهّم أنه إذا لم يكن الإسناد في مثل هذا الكلام إلى ما هو له عند المُوحِّد لكونه مستحيلاً عقلاً فهو داخل في الاستحالة العقليّة فلا يصحّ جعله مقابلاً للاستحالة كما فعله المصـ, وحاصل الدفع أنا لا نُسلِّم دخولَه في الاستحالة العقليّة إذ المراد بها الاستحالة البديهيّة بحيث يحكم بها كلّ أحد من غير اعتبار أمر آخر وظاهر أنّ الإسناد في مثل الكلام المذكور ليس كذلك كيف وقد ذهب إلى جوازه كثير ممّا يعدّ عاقلاً واحتجنا في إبطاله إلى الدلائل.
[4] قوله: [يريد أنّ الفعل إلخ] يشير إلى أنّ المراد بالحقيقة في قوله ومعرفة حقيقته ما يصير حقيقة لا ما هو حقيقة بالفعل بأن أسند الفعل بالفعل إلى ما هو له إذ لا يجب عند أحد أن يكون لكلّ مجاز حقيقة بالفعل, وإنّما الخلاف بينه وبين الشيخ في أنه هل يجب للفعل في المجاز العقليّ أن يكون له فاعل أو مفعول إذا أسند إليه يكون حقيقة أو لا يجب ذلك فاختار المصـ الأوّل وذهب الشيخ إلى الثاني.