حيث قال[1]: اعلم أنه ليس بواجب في هذا أن يكون للفعل فاعل في التقدير إذا أنت نقلت الفعل إليه صارت حقيقة كما في قوله تعالى[2]: ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ﴾ [البقرة:١٦] فإنك لا تجد في نحو أقدمني بلدك حقّ لي على إنسان فاعلاً سوى الحقّ, وكذا لا تستطيع[3] في وَصَيَّرَنِيْ و يَزِيْدُكَ أن تزعَم أنّ له فاعلاً قد نُقِل عنه الفعل فجُعِل للهوى ولوجهه, فالاعتبار إذن[4] أن يكون المعنى الذي يرجع إليه الفعل موجوداً في الكلام على حقيقته فإنّ القدوم موجود حقيقة وكذا الصيرورة والزيادة, وإذا كان معنى اللفظ[5] موجوداً على
[1] قوله: [حيث قال إلخ] أي: لأنّ الشيخ قال إلخ. قوله في هذا أي: في المجاز العقليّ. قوله للفعل أي: المُسند إلى الفاعل المجازيّ. قوله فاعل أي: فاعل حقيقيّ, وفي التقدير والجملةُ التي بعده صفتان لقوله فاعل. قوله صارت إلخ أي: صارت النسبة إلى ذلك الفاعل حقيقة عقليّة.
[2] قوله: [كما في قوله تعالى إلخ] أي: كما يوجد للفعل في هذا القول فاعل في التقدير إذا نقلتَه إليه صارت حقيقة وهو التجّار, فهذا مثال لوجود الفاعل الحقيقيّ للفعل في المجاز العقليّ. قوله فإنك لا تجد إلخ تعليل لقوله ليس بواجب إلخ أي: إذا قلت عند قدومك للحقّ: أقدمني حقّ لا تجد في قصدك فاعلاً للإقدام سوى الحقّ لكنك صَوَّرتَ القدومَ بصورة الإقدام والحقَّ بصورة المُقدِم مبالغة في كونه داعياً للقدوم فلا فاعل في قصدك سوى الحقّ لا مُحقَّقاً ولا موهوماً فضلاً عن إسناد الفعل إليه ونقله عنه.
[3] قوله: [وكذا لا تستطيع إلخ] أي: وكذا لا تستطيع أن تزعم أنّ لـصَيَّرَنِيْ هَوَاكِ ويَزِيْدُكَ وَجْهُهُ فاعلاً نُقِل عنه التصيير والزيادة فجُعِلا للهوى والوجه إذ لا تصيير ولا زيادة في الحقيقة بل صُوِّر الصيرورةُ بصورة التصيير والهَوى بصورة المُصيِّر وصُوِّر الازديادُ بصورة الزيادة والوجهُ بصورة الزائد فلا فاعل لهما سوى الهوى والوجه لا مُحقَّقاً ولا موهوماً فضلاً عن الإسناد إليه والنقل عنه.
[4] قوله: [فالاعتبار إذن إلخ] تفريع على ما قبله أي: إذا لم يكن للفعل في المجاز العقليّ فاعل بناءً على انتفاء الفعل وكونِه مُخيَّلاً محضاً فالاعتبار في امتيازه عن الكذب أن يكون المعنى الذي هو مقصود المتكلِّم من الكلام موجوداً في المجاز بخلاف الكذب فإنه لا وجود له فإن تحقّق القدوم عند قولك: أقدمني بلدك حقّي كان مجازاً عقليًّا وإلاّ كان كذباً.
[5] قوله: [وإذا كان معنى اللفظ إلخ] عطفٌ على قوله ليس بواجب إلخ وبيانٌ لمناط كون الكلام مجازاً عقليًّا وهو أنه إذا كان المعنى الذي وضع له اللفظ موجوداً على الحقيقة بأن يكون مستعملاً فيه لم يكن المجاز في ذلك اللفظ نفسه بل يكون في الحكم فإن كان لفظ الإقدام في قولك أقدمني بلدك حقّ لي مستعملاً في معناه الذي وضع له وإن كان المعنى موهوماً كان المجاز في الحكم وكان اللفظ على حقيقته وإن كان مستعملاً في معنى الحمل على القدوم كان المجاز في اللفظ وكان الإسناد على حقيقته, وكذا إن كان حقّ مستعملاً في المُقدِم بطريق الاستعارة بالكناية, فتلخّص من كلام الشيخ أنّ مثل أقدمني بلدك حقّ لي يحتمل وجوهاً ثلاثة مجازاً في الطرف ومجازاً في الإسناد واستعارة بالكناية.