وقلّةُ التدبّر وذلك لأنّ إفادة الجمع المُحلَّى باللام تعلُّقَ الحكم بكلّ فردٍ ممّا هو مقرَّر في علم الأصول والنحو, وكلامُه [1] في "الكشّاف" أيضاً مشحون به حيث قال في قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [آل عمران:١٣٤] إنه جمع ليتناول كلَّ مُحسِن [2] وفي قوله تعالى: ﴿وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [آل عمران:١٠٨], إنه نكّر ظلماً وجمع العالمين على معنى ما يُريد شيئاً [3] من الظلم لأحد من خلقه, وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُن لِّلۡخَآئِنِينَ خَصِيمٗا﴾ [النساء:١٠٥] أي: ولا تخاصم عن خائن قطّ, وفي قوله تعالى: ﴿رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [الفاتحة:١] إنه جمع ليشمل كلّ جنس ممّا سُمِّي بالعالم [4] يعني لو أفرد لتوهّم [5] أنه إشارة إلى هذا العالم المحسوس المُشاهَد فجمع ليُفيد الشمول والإحاطة, ولا يخفى عليك فساد ما قيل [6]
[1] قوله: [وكلامه إلخ] أي: وكلام صاحب "الكشّاف" في "الكشّاف" أيضاً مملوء بأنّ الجمع المحلّى باللام يفيد تعلّقَ الحكم بكلّ فرد دون المجموع حيث قال إلخ.
[2] قوله: [إنه جمع ليتناول كلَّ مُحسِن] أي: تناولاً صريحاً بخلاف ما إذا قيل ½يُحِبُّ المُحسِن¼ فإنه يحتمل الجنسَ أي: ماهيّةَ المُحسِن ولو في فرد فهو ليس صريحاً في التناول.
[3] قوله: [على معنى ما يُريد شيئاً إلخ] بناءً على أنه لعموم السلب لا لسلب العموم.
[4] قوله: [ممّا سُمِّي بالعالم] أي: ممّا أطلق عليه لفظ العالم من قبيل إطلاق الكليّ على أفراده.
[5] قوله: [يعني لو أفرد لتوهّم إلخ] أي: لو أفرد العالم وعرِّف بلام الاستغراق فهو وإن كان شاملاً لكلّ جنس لكنه لم يكن شموله قطعيًّا لأنّ العالم يُطلَق على مجموع ما سوى الله تعالى وقد غلب استعماله بهذا المعنى في هذا العالم المحسوس المُشاهَد فيجوز أن يتوهّم أن يكون المراد بقوله ½ربّ العالم¼ ربّ هذا العالم المحسوس بأن لا يكون اللام للاستغراق بل للعهد الخارجيّ بخلاف ½العالمين¼ فإنه لا يُمكِن حمله على المجموع لأنّ الجمعيّة صارفة عنه فلا بدّ أن يراد كلّ جنس ليفيد بطريق القطع الشمولَ والإحاطة لكلّ جنس من أجناس العالم مُشاهداً كان أو غيرَ مُشاهَد.
[6] قوله: [ولا يخفى عليك فساد ما قيل إلخ] مقصود صاحب القيل الردّ على الاستشهاد بقول صاحب "الكشّاف" على شمول استغراق الجمع كلّ فرد, وغرض الشارح التنبيه على فساد هذا القيل, وحاصل القيل أنّ مراده بقوله ½إنه جمع ليشمل إلخ¼ أنّ المفرد وإن كان أشملَ لكنه قصد بالجمع هنا التنبيه على كون العالم أجناساً مختلفة لأنّ المفرد يفيد شمول الآحاد فلا يفهم منه اختلاف الأجناس.