وبالجملة فالقول [1] بأنّ الجمع يفيد تعلّقَ الحكم بكلّ واحد من الأفراد مُثبَتاً كان أو منفيًّا [2] ممّا قرّره الأئمّة وشهد به الاستعمال وصرّح به صاحب "الكشّاف" في غير موضع فلا وجه لرفض جميع ذلك بكلام صدر عن صاحب "المفتاح", نعم! فرقٌ [3] بين المفرد والجمع في المعرَّف بلام الجنس من وجه آخر وهو أنّ المفرد صالح لأن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضه إلى الواحد منه كما في قوله تعالى: ﴿أَن يَأۡكُلَهُ ٱلذِّئۡبُ﴾ [يوسف:١٣] والجمع صالح لأن يراد به جميع الجنس وأن يراد به بعضه لا إلى الواحد لأنّ وِزانَه [4] في تناول
[1] قوله: [وبالجملة فالقول إلخ] هذا خلاصة الردّ على مَن حكم بأنّ استغراق الجمع لا يقتضي إلاّ استيعابَ الجموع مستنداً في هذا الحكم إلى قول "المفتاح" إنّ استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع, يقول الشارح إنه لا يغرّنّ أحداً هذا الكلامُ مع وضوح الحقّ المبين بتصريحات الأئمّة أنّ الجمع المحلّى بلام الاستغراق يشمل الأفراد كلّها ويفيد تعلّقَ الحكم بكلّ فرد, والحقّ لأحقّ أن يتّبع والله الهادي.
[2] قوله: [مُثبَتاً كان أو منفيًّا] أي: مُثبَتاً كان الحكم نحو قوله تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ أو منفيًّا نحو قوله تعالى: ﴿وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلۡمٗا لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾. قوله ½ممّا قرّره الأئمّة¼ خبر لقوله ½فالقول إلخ¼. قوله ½في غير موضع¼ أي: في مواضع متعدِّدة. قوله ½لرفض جميع ذلك¼ أي: لترك جميع ذلك.
[3] قوله: [نعم! فرقٌ إلخ] أي: لا فرق بين المفرد والجمع المُعرَّفَين بلام الجنس من جهة الشمولِ وإفادةِ تعلقّ الحكم بكلّ فرد كما توهّمه "المفتاح" وتبعه "التلخيص" لكن بينهما فرق من جهة أنّ المفرد المستغرق صالح لأن يراد به جميع الأفراد وأن يراد به بعضها إلى الواحد بأن يتخصَّص حتّى يبقى تحته واحد وأمّا الجمع فلا يجوز تخصيصه إلى الواحد لأنه لا بدّ في التخصيص من بقاء أصل المعنى وهو في المفرد الجنسُ مع الوحدة وهو متحقّق في الواحد, وفي الجمع الجنسُ مع الجمعيّة وأقلّها ثلاثة وعند البعض اثنان فلا يجوز تخصيصه إلى الواحد وإلاّ لكان نسخاً للجمع كذا في "التلويح" وعليه أطبق أئمّة الأصول, والحاصل أنه لا فرق بينهما في جانب الكثرة لكن فرق بينهما في جانب القلّة.
[4] قوله: [لأنّ وِزانَه إلخ] تعليل للفرق المذكور, وحاصله أنّ الجمع المعرَّف يشمل الجنس مع وصف الجمعيّة كما أنّ المفرد يشمل الجنس مع وصف الوحدة فيجوز تخصيص المفرد نازلاً إلى الواحد, ويجوز تخصيص الجمع إلى الثلاثة لا إلى الواحد إذ الجمعيّة إنّما هي في جمل الجنس لا في وُحْدانه.