والإشارة لا تَفِي[1] بالمعدوماتِ والمعقولاتِ الصّرفة وفي الكتابة مشقّة فأنعم الله تعالى عليهم بتعليم البيان, وهو المنطق الفصيح المُعرِب عمّا في الضمير, ثُمّ إنّ[2] هذا الاجتماع إنما ينتظم إذا كان بينهم معاملة وعدل يتّفق الجميع عليه لأنّ كلّ واحد يشتهي ما يحتاج إليه ويغضب على من يزاحمه فيقع الجور ويختلّ أمر الاجتماع والمعاملة, والعدل لا يتناول الجزئيات الغير المحصورة بل لا بدّ لها من قوانين كلية وهي علم الشرائع, ولا بدّ لها[3] من واضع يقرّرها على ما ينبغي مصونة عن الخطأ وهو الشارع, ثُمّ الشارع[4] لا بدّ أن
[1] قوله: [والإشارة لا تَفِي إلخ] دفع توهّم أنّ التعاون والتشارك يمكن بالإشارة والكتابة فهما يغنيان عن البيان, وحاصل الدفع أنّ الإشارة تختصّ بالمحسوسات فلا تصلح للمعدومات والمعقولات الصرفة, والكتابة وإن كانت وافية بالكلّ لكنّ فيها مشقّة لاحتياجها إلى آلات يتعسّر إحضارها في جميع الأوقات, وأيضاً فيها ضرر لبقائها فيطّلع عليها من لا يراد اطّلاعه, بخلاف البيان.
[2] قوله: [ثمّ إنّ إلخ] بيان لأصل ثان يحتاج إليه الإنسان في بقاء النوع وهو علم الشرائع. قوله معاملة بأن يأخذ أحد من آخر شيئاً ويعطيه عوضه. قوله وعدل أي: استواء في المعاملة. قوله يتّفق الجميع عليه أي: يتّفق الجميع على أنه عدل. قوله لأنّ إلخ أي: إنّما يحتاج أمر الاجتماع والمعاملة إلى عدل يتّفق الجميع عليه لأنّ إلخ. قوله فيقع إلخ أي: فلولا العدل لوقع الجور ولاختلّ أمر الاجتماع والمعاملة. قوله والعدل إلخ أي: وبيان العدل بأن يقال هذا عدل وذاك عدل لا يشمل الجزئيّات الغير المحصورة بل لا بدّ لتلك الجزئيّات من قوانين كليّة وهي علم الشرائع.
[3] قوله: [ولا بدّ لها إلخ] بيان لأصل ثالث يحتاج إليه الإنسان في بقاء النوع وهو الشارع. قوله لها أي: لتلك القوانين الكليّة. قوله مصونة أي: حال كونها محفوظة عن الخطأ. قوله وهو الشارع أي: النبيّ عليه الصلاة والسلام لأنه الواضع في الظاهر وإن كان الواضع في الحقيقة هو الله.
[4] قوله: [ثمّ الشارع إلخ] بيان لأصل رابع يحتاج إليه الإنسان في بقاء النوع وهو المعجزة. قوله وهو أي: وامتيازه. قوله من عند ربّه ليعلم أنه لا يتطرّق إليها الخطأ والضلال. قوله وهي أي: وتلك الآيات, والمعجزة أمر خارق للعادة أظهره الله تعالى على يد من ادّعى النبوّة تصديقاً له, وهو كما يسمّى معجزة لإعجازه الخصمَ عن معارضته كذلك يسمّى آية لكونه علامة لصدق دعوى النبوّة.