فشاذّ لا يقاس عليه[1] (والتنافُر) أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان[2] فمنه ما هو متناهٍ في الثقل (كقوله: وَلَيْسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ) اسم رجل (قَبْرُ) صدرُه: وَقَبْرُ حَرْبٍ بِمَكَانٍ قَفْرٍ, أي: خالٍ من الماء والكلأ (و) منه ما دون ذلك مثل (قوله) أي: قول أبي تمّام (كَرِيْمٌ مَتَى أمْدَحُهُ أمْدَحُهُ وَالْوَرَى) الورى مبتدأ خبرُه معي والواو للحال[3] (مَعِيَ وَإِذَا مَا لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِيْ) أي: لا يشاركني أحدٌ في ملامته لأنه إنّما يستحقّ المدح دون الملامة, وفي استعمال[4] إذا والفعلِ الماضي ههنا اعتبار لطيف وهو إيهام ثبوت الدعوى كأنه تحقّق
[1] قوله: [فشاذّ لا يقاس عليه] ردّ على الاستشهاد بالبيتين الأخيرين, إن قيل لِم لَم يجعل الضمير في هذين البيتين للمصدر المدلول عليه بالفعل أي: بنو الجزاء وقوم اللوم كما يقال ابن الوقت وأبو الفضل بمعنى ملابسه وملازمه, وعلى هذا لم يحتج إلى القول بالشذوذ, قيل لأنّ المقصود من البيت الأوّل منهما هو ذمّ بني أبي الغيلان لعدم رعايتهم حقوق أبيهم وهو لا يحصل إلاّ بإرجاع الضمير إلى أبي الغيلان وإلاّ لم يعلم كونهم بنيه, والمقصود بالثاني هو تحريض قوم زهير على لومه على جنايته ليفهم لوم قومه على تقدير ترك لومهم إيّاه وهو لا يحصل إلاّ بإرجاع الضمير إلى زهير وإلاّ لم يعلم كون القوم قوم زهير.
[2] قوله: [أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان] لمّا ترك المصـ بيان مفهوم التنافر اكتفاءً بالمثال بيّنه الشارح بقوله أن تكون إلخ. قوله فمنه إلخ فيه إشارة وجه إيراد المثالين في المتن للتنافر وحاصله أنّ من التنافر ما هو متناه في الثقل ومنه ما هو دون ذلك فأورد المثال الأوّل للأوّل والثاني للثاني, فتعدّد الأمثلة باعتبار تعدّد الممثَّل له.
[3] قوله: [والواو للحال] أي: من الضمير المرفوع في أمدحه الثاني الواقع جزاءً, وإنّما لم يجعل معطوفاً عليه مع وجود الفصل بينهما بالضمير المنصوب مع أنّ العطف هو الأصل في الواو بل اختار كون الجملة حالاً لأنه المنساق إلى الفهم ولأنه يوافق مقابله وهو قوله وحدي فإنّه حال, وأمّا مشاركة الورى في المدح التي هي المقصودة فلا ترجِّح العطف لأنها مفهومة من لفظة معي, على أنّ العطف يحوِّج إلى اعتبار تقدّم العطف على اعتبار الجزائيّة لئلاّ يتّحد الشرط والجزاء.
[4] قوله: [وفي استعمال إلخ] ردّ على العلاّمة الزوزني حيث زعم أنّ قوله إذا ما لمته بإيراد إذا والماضي خطأ في مقام المدح لدلالتهما على القطعِ وتحقّقِ اللوم منه, وحاصل الردّ أنّ في إيراد إذا والفعل الماضي هنا اعتباراً لطيفاً وهو إيهام ثبوت الدعوى بكون الممدوح مستحقًّا للمدح عند الجميع دون اللوم. قوله كأنه تحقّق إلخ وهو دليل على أنه مستحقّ للمدح عند الكلّ دون اللوم عند أحد.