خارج عن حدّ الاعتدال نافر كلّ التنافر[1] ولو قال[2] فإنّ في تكرير أمدحه ثقلاً لكان أولى, وبين المثالين فرق آخر[3] وهو أنّ منشأ الثقل في الأوّل نفس اجتماع الكلمات وفي الثاني حروف منها, وزعم بعضهم أنّ من التنافر[4] جمعَ كلمة مع أخرى غيرِ متناسِبة لها كجمع سطل مع قنديل و مسجد بالنسبة إلى الحمّاميّ مثلاً وهو وهمٌ لأنه لا يوجب الثقل على اللسان, فهو إنّما يخلّ بالبلاغة دون الفصاحة (والتعقيد) أي: كون الكلام معقَّداً[5]
[1] قوله: [نافر كلّ التنافر] إن قيل ينافي هذا ما ذكر الشارح فيما سبق من أنّ المثال الأوّل مثال لما هو متناهٍ في الثقل والثاني لما هو دونه, قيل إنّ وجود التنافر الكامل لا يستلزم أن لا يوجد تنافر أكمل منه فلا منافاة, أو قيل هذا مبنيّ على المبالغة, وقد يقال المراد بالتنافر ههنا النفرة لا المعنى الاصطلاحيّ والتعبير عن النفرة بالتنافر للدلالة على الكمال لأنّ الفعل إذا شارك فيه الفاعلان جاء كاملاً.
[2] قوله: [ولو قال إلخ] إصلاح لكلام المصـ حتّى لا يحتاج إلى التوجيه حاصله أنه لو قال فإنّ في تكرير أمدحه ثقلاً مكانَ قوله فإنّ في أمدحه ثقلاً لكان أولى لأنه لم يحتج إلى التوجيهِ وبيانِ مراده.
[3] قوله: [فرق آخر] أي: سوى ما ذكر من أنّ المثال الأوّل متناهٍ في الثقل والثاني دونه, واللام في المثالين للعهد الخارجيّ والمراد بهما مثالا تنافر الكلمات. قوله وهو أنّ منشأ إلخ أي: ففي إيراد المثالين في المتن إشارة أيضاً إلى أنّ تنافر الكلمات قد يكون منشؤه نفسَ اجتماع الكلمات ولهذا يكون في غاية الثقل وقد يكون اجتماعَ حروف منها ولهذا يكون في الثقل دون الأوّل, وإنّما لم يعدّ هذا من تنافر الحروف لأنّ التنافر لم يحصل من حروف كلمة واحدة بل من حروف كلمتين.
[4] قوله: [أنّ من التنافر إلخ] الزاعم الخلخاليّ, وحاصل زعمه أنّ اجتماع كلمات غير متناسبة المعاني مستلزم للتنافر المُخِلّ بالفصاحة كجمع سطل مع قنديل ومسجد فإنّه لا مناسبة بينها في الكلام مع الحمّاميّ مثلاً, فإنّ السطل القصعة التي يُؤكَل فيها والقنديل ما يوضع فيه السراج, وحاصل الردّ عليه أنّ التنافر كما مرّ عبارة عن كون الكلمات ثقيلة على اللسان والاجتماعُ المذكور لا يُوجِب الثقل على اللسان فهو إنّما يُخِلّ بالبلاغة إذا لم يوجد هناك مقتضٍ لمثل هذا الاجتماع لا بالفصاحة.
[5] قوله: [أي: كون الكلام معقَّداً] فسّر التعقيد بهذا ليصير صفة للكلام فيصحّ كونُه مُخِلاً بفصاحته ويصحّ تفسيره بقوله أن لا يكون إلخ فإنّ كون الكلام غيرَ ظاهر الدلالة صفة له. قوله على أنّ المصدر إلخ أي: هذا التفسير مبنيّ على أنّ المصدر أعني التعقيد مبنيّ للمفعول أي: بخلاف ما إذا كان مبنيًّا للفاعل فإنه صفة للمتكلِّم فلا يصحّ عدُّه مُخِلاًّ بفصاحة الكلام ولا تفسيره بما ذكر.