وهو عبّاس بن الأحنف (سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدَّارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوْا * وَتَسْكُبُ) أي: تصبّ[1] بالرفع وهو الرواية الصحيحة المبنيّ عليها كلام الشيخ في "دلائل الإعجاز" والنصب توهّم (عَيْنَايَ الدُّمُوْعَ لِتَجْمُدَا) جَعَل سكبَ الدموع وهو البُكاء كناية عمّا يلزم فراقَ الأحبّة من الكآبة والحزن[2] وأصاب لأنه كثيراً ما يجعل دليلاً عليه, يقال أبكاني وأضحكني أي: ساءني وسرّني, أَبْكَانِي الدَّهْرُ[3] وَيَا رُبَّمَا * أَضْحَكَنِي الدَّهْرُ بِمَا يُرْضِيْ ولكنه أخطأ[4] في الكناية عمّا يُوجِبه دوامُ التلاقي والوصال من الفرح والسرور بجمود العين (فإنّ الانتِقال من جُمود العين إلى بخلها بالدُموع) حالَ إرادة البُكاء[5] وهي حالة الحزن على مُفارَقة الأحِبّة (لا
[1] قوله: [أي: تصبّ] تفسير اللفظ. قوله بالرفع أي: برفع تَسْكُبُ عطفاً على سَأَطْلُبُ. قوله المبنيّ عليها إلخ في توصيف الرواية به إشارة إلى دليل نقليّ على صحّة رواية الرفع. قوله والنصب توهّم أي: ونصب تَسْكُبُ بتقدير أَنْ عطفاً على بعد الدار توهّم لأنه مخالف للرواية الصحيحة ولأنّ سكب الدموع حينئذ يكون داخلاً تحت الطلب فالسكب إن كان حاصلاً له كان طلبه طلباً للحاصل وهو عبث وإن لم يكن حاصلاً له كان كاذباً في دعوى العشق إذ السكب من علامات العاشق.
[2] قوله: [من الكآبة والحزن] بيان لـما, والكآبة سوء الحال بسبب الحزن فعطف الحزن عليه من عطف السبب على المسبَّب أي: جعل الشاعر البكاء كناية عن الحزن وأصاب فيه لأن البكاء يلزم الحزن عرفاً وعقلاً فإنّ إصابة غير الملائم توجِب توجّه الروح إلى القلب فيصعد منه بخار يصير ماء عند الوصول إلى الدماغ فيجري من العين. قوله لأنه كثيراً مّا إلخ تعليلٌ لإصابة الشاعر في جعل البكاء كناية عن الحزن وبيانٌ للزوم العرفيّ بين البكاء والحزن. قوله يقال إلخ تأييد لما ذكره في التعليل من اللزوم.
[3] قوله: [أَبْكَانِي الدَّهْرُ إلخ] أي: أبكاني الدهر بما يسخطني ويا قوم قلّما سرّني بما يرضيني, فقد جعل البكاء دليلاً على الحزن, وهذا تأييد ثان لما ذكره في التعليل من اللزوم العرفي بين البكاء والحزن.
[4] قوله: [ولكنّه أخطأ إلخ] إشارة إلى أنّ قول المصـ فإنّ الانتقال إلخ تعليل لإخطاء الشاعر في الكناية عن الفرح والسرور بجمود العين, وإنّما لم يتعرّض المصـ للكناية بسكب الدموع عن الحزن كما ذكره الشارح لأنه بصدد بيان ما فيه الخلل ولا خلل في تلك الكناية كما مرّ من الشارح. قوله من الفرح بيان لـما. قوله والسرور عطف مرادف للفرح.
[5] قوله: [حال إرادة البُكاء] إنّما قيّد به لأنّ الجمود في الأصل ضدّ السيلان استعمل في خلوّ العين من الدمع حال إرادة البكاء ثمّ استعمل في مطلق خلوّ العين من الدمع ثمّ كني به عن السرور.