ولا يخرجه عن التعقيد المعنويّ لظهور أنّ الذهن لا ينتقل إلى هذا بسهولة, والكلام الخالي[1] عن التعقيد المعنويّ ما يكون الانتقال فيه من معناه الأوّل إلى الثاني ظاهراً حتّى يخيّل إلى السامع أنه فهمه من حاق اللفظ, وأمّا الكلام الذي[2] ليس له معنى ثانٍ فهو بمنزلة الساقط عن درجة الاعتبار عند البُلَغاء كما ستعرفه في بحث بلاغة الكلام, ومعنى البيت[3]: أنّ عادة الزمان والإخوان الإتيانُ بنقيض المطلوب والجريان على عكس المقصود وأني إلى الآن كنت أطلب[4] القرب والسرور فلم يحصل إلاّ الحزن والفراق, فبعد هذا أطلب
[1] قوله: [والكلام الخالي إلخ] هذا في قوّة التعليل, أي: إذا عرفتَ أنه لا ينتقل الذهن بسهولة من المعنى الأوّل لجمود العين وهو خلوّ العين من الدمع حال إرادة البكاء إلى معناه الثاني وهو السرور عرفتَ أنه كلام مشتمل على التعقيد المعنويّ إذ الكلام الخالي عن التعقيد إلخ. قوله حتّى يُخيَّل إلى السامع إلخ غاية الظهور أي: حتّى يقع في خيال السامع أنه فهم المعنى الثاني من وسط اللفظ أي: فهمه قبل تمام الكلام لغاية ظهوره.
[2] قوله: [وأمّا الكلام الذي إلخ] دفع لما يرد من أنّ قولكم والكلام الخالي إلخ يقتضي أن يكون الكلام الذي ليس له معنى ثان معقَّداً لعدم الانتقال فيه من المعنى الأوّل إلى الثاني فضلاً عن أن يكون ظاهراً, وحاصل الدفع أنّ مثل هذا الكلام ساقط عن درجة الاعتبار عند البلغاء فلا نبالي به معقَّداً أو غير معقَّد, والمراد بالمعنى الثاني هنا الأغراض المصوغ لها الكلام كنفي الشكّ والإنكار والحصر وغيرها تأمّل.
[3] قوله: [ومعنى البيت إلخ] ذكر ثلاثة معاني لبيت العباس, الأوّلان مبنيّان على ما هو المشهور فيما بين القوم, والثالث مفهوم من "دلائل الإعجاز". قوله أنّ عادة الزمان إلخ تمهيد لبيان المعنى الأوّل.
[4] قوله: [وأنّي إلى الآن كنت أطلب إلخ] شروع في بيان المعنى الأوّل, وهذا إشارة إلى ما يستفاد من سين الاستقبال. قوله فلم يحصل إلاّ الحزن والفراق أي: بناء على عادة الزمان والإخوان من الإتيان بنقيض المطلوب فكلّما طلبت القرب حصل الفراق وكلّما طلبت السرور حصل الحزن, ففي كلام الشارح لفّ ونشر غير مرتَّب. قوله فبعد هذا أطلب البعد والفراق هذا معنى قوله سأطلب بعد الدار عنكم, وفيه إشارة إلى أنّ السين فيه للاستقبال. قوله ليحصل القرب والوصال هذا معنى قوله لتقربوا أي: بناء على عادة الزمان من الإتيان بنقيض المطلوب. قوله وأطلب الحزن والكآبة هذا معنى قوله وتسكب عيناي الدموع, وفيه إشارة إلى أنّ سكب الدموع داخل تحت الطلب. قوله ليحصل الفرح والسرور هذا معنى قوله لتجمدا أي: بناء على عادة الزمان.