البُعد والفِراق ليحصل القرب والوصال وأطلب الحزن والكآبة ليحصل الفرح والسرور, هذا[1] إن نصبتَ تسكب بتقدير أنْ عطفاً على بعد الدار , وإن رفعتَه كما هو الصواب فالمعنى: أبكي وأتحزّن الآن[2] ليحصُل في المستقبل السرور والفرح بالقرب والوصال, وحينئذٍ لا يدخل[3] سكب الدموع تحت الطلب لكنه أكبّ عليه ولازمه ملازمة الأمر المطلوب ليظنّ الدهر أنه مطلوبُه فيأتي بضدّه, هذا هو المعنى المشهور فيما بين القوم ولا يخفى ما فيه من التكلّف والتعسّف[4] ومنشأه عدم التعمّق في المعاني وقلّة التصفّح
[1] قوله: [هذا إلخ] أي: كون سكب الدموع داخلاً تحت الطلب كما أشار إليه بقوله وأطلب الحزن والكآبة إن نصبتَ تسكب بتقدير أَنْ عطفاً على قوله بعد الدار فإنه إن كان معطوفاً عليه كان داخلاً تحت الطلب لأنّ المعطوف عليه داخل تحته.
[2] قوله: [أبكي وأتحزّن الآن إلخ] شروع في بيان المعنى الثاني, وهذا معنى قوله تسكب عيناي الدموع على تقدير رفعه. قوله ليحصل في المستقبل السرور إلخ هذا معنى قوله لتجمدا وإنّما اكتفى على بيان معنى المصراع الثاني لأنّ الفرق بين المعنيين إنّما هو في المصراع الثاني دون الأوّل.
[3] قوله: [وحينئذ لا يدخل إلخ] أي: وحين إذ رفعتَ تسكب لا يدخل سكب الدموع تحت الطلب لأنه لم يكن حينئذ معطوفاً على بعد الدار الداخل تحت الطلب بل على سأطلب. قوله لكنّه أكبّ عليه إلخ استدراك لدفع ما يتوهّم من الكلام السابق من أنه إذا لم يكن السكب داخلاً تحت الطلب أي: لم يكن الحزن مطلوباً لم يحصل الفرح والسرور المترتِّب عليه بناءً على عادة الزمان, وحاصل الدفع أنّ سكب الدموع وإن لم يكن داخلاً تحت الطلب لكنّ التعبير عنه بصيغةِ المضارع الدالّةِ على الاستمرار بمعونة المقام يفيد أنه يلازمه ملازمة الأمر المطلوب فيظنّ الدهر أنه مطلوبه فيأتي بضدّه. قوله ولازمه ملازمة الأمر المطلوب عطف تفسير لقوله أكبّه عليه.
[4] قوله: [من التكلّف والتعسّف] ردّ على المعنيين, قيل وجه التكلّف فيهما أنّ عادة الزمان والإخوان الإتيان بنقيض ما هو المطلوب في الواقع لا بنقيض ما يُظهِر المرء كونَه مطلوبَه.