لكلام المَهَرة من السلَف, والصحيح[1] أنه أراد بطلب الفراق طيب النفس به وتوطينها عليه حتّى كأنه أمر مطلوب, والمعنى أني اليوم أطيب نفساً بالبُعد والفِراق[2] وأوطّنها على مُقاساة الأحزان والأشواق وأتجرّع غُصَصَها, وأتحمّل لأجلها حزناً يفيض الدموع من عينيّ لأتسبّب بذلك إلى وصل يدوم ومسرّة لا تزول فإنّ الصبرَ مفتاح الفرَج ومع كلّ عُسْر يُسْر ولكلّ بداية نهاية, هذا هو المفهوم[3] من "دلائل الإعجاز", وعلى هذا فالسّين في سأطلب لمجرّد التأكيد على ما ذكره صاحب "الكشّاف" في قوله تعالى: ﴿سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ﴾ [آل عمران:١٨١] وغير ذلك (قيل) فصاحة الكلام خلوصه ممّا ذكر[4] (ومن كثرة التكرار)
[1] قوله: [والصحيح إلخ] شروع في بيان المعنى الثالث الصحيح الراجح المختار عند الشارح المفهوم من "دلائل الإعجاز". قوله وتوطينها عليه أي: تعويد النفس على الفراق بمعنى عادي ساختن.
[2] قوله: [والمعني أنّي اليوم أطيب نفساً بالبعد والفراق] هذا معنى قوله سأطلب بعد الدار عنكم, وفيه إشارة إلى أنّ السين فيه زائدة لمجرّد التأكيد وليست للاستقبال كما سيصرِّح به. قوله وأوطِّنها إلخ مرادف لما قبله. قوله وأتحمّل لأجلها حزناً يفيض الدموع من عينيّ هذا معنى قوله وتسكب عيناي الدموع. قوله لأتسبَّب بذلك إلى وصل يدوم هذا معنى قوله لتقربوا. قوله ومسرَّة لا تزول هذا معنى قوله لتجمدا. قوله فإنّ الصبرَ مفتاح الفرَج إلخ تعليل لصحّة التسبّب بالصبر على الفراق وبتحمّل الحزن إلى الوصال السرور.
[3] قوله: [هذا هو المفهوم إلخ] تأييد لما ذكره الشارح من معنى البيت. قوله وعلى هذا إلخ أي: وعلى ما ذكرنا من أنّ المعنى أنّي اليوم أطيب إلخ. قوله على ما ذكره إلخ من أنّ السين في قوله تعالى: ﴿سَنَكۡتُبُ مَا قَالُواْ﴾ للتأكيد, وهذا استشهاد على أنّ السين في المضارع قد تجيء لمجرّد التأكيد. قوله وغير ذلك أي: وفي غير ذلك القول.
[4] قوله: [فصاحة الكلام خلوصه ممّا ذكر] إشارة إلى أنّ قول المصـ من كثرة التكرار عطف على قوله من ضعف التأليف وتنافُر الكلمات والتعقيد وعن هذا عبّر الشارح بقوله ممّا ذكر للاختصار, وزاد قوله فصاحة الكلام خلوصه بحكم ضابطة العطف فإنّ ضابطة العطف أنّ ما قبل المعطوف عليه مُعاد ومعتبر مع المعطوف, فالمجموع مقول القيل.