عنوان الكتاب: المطول مع حاشية المؤول

إلى ما قَصَده) الشاعر (من السُرور) الحاصل بمُلاقاة الأصدِقاء ومُواصَلة الأحِبّة, ولهذا[1] لا يصحّ أن يقال في الدعاء: لا زالت عينك جامدة كما يقال: لا أبكى الله عينك ويقال: سنة جِماد [2] لا مطر فيها و ناقة جِماد لا لبن لها, كأنهما تبخلان بالمطر واللبن, قال الحَماسيُّ[3]: أَلاَ إِنَّ عَيْناً لَمْ تَجُدْ يَوْمَ وَاسِطٍ * عَلَيْكَ بِجَارِيْ دَمْعِهَا لَجَمُوْدُ, فإن قيل[4] استعمل الجمود في مطلق خلو العين من الدمع مجازاً من باب استعمال المقيّد في المطلق ثُمّ كنى به عن المسرّة لكونه لازماً لها عادة, قلنا: هذا[5] إنّما يكفي لصحّة الكلام واستقامته


 



[1] قوله: [ولهذا إلخ] أي: ولأجل أنّ الانتقال من جمود العين إلى بخلها لا إلى السرور لا يصحّ أن يقال: لا زالت عينك جامدة على إرادةِ لا زلتَ مسروراً لعدم انتقال الذهن منه إلى هذا كما يصحّ أن يقال لا أبكى الله عينك على إرادة ما ذكر لسهولة انتقال الذهن منه إليه.

[2] قوله: [ويقال سنة جِماد إلخ] استشهاد على أنّ الانتقال من الجمود إلى البخل لا إلى السرور. قوله ناقة جماد استشهاد ثان عليه. قوله كأنهما تبخلان إلخ إشارة إلى أنّ البخل هنا حكميّ لأن حقيقته لا يتصوّر من غير ذوي الروح والعقل.

[3] قوله: [قال الحَماسيُّ إلخ] استشهاد ثالث, والحَماسيّ نسبة إلى "ديوان الحَماسة" لأبي تمّام حبيب بن أوس الطائيّ جمع فيه أشعار البلغاء الذين يستشهد بكلامهم, ينسب إليه البيت أو الشاعر للتشريف والإشارة إلى صحّة جواز الاستشهاد به أو بكلامه. قوله لَمْ تَجُدْ إلخ من الجود وهو الكرم والجملة صفة عَيْناً, وواسط بلدة بالعراق, وبِجَارِيْ دَمْعِهَا من إضافة الصفة إلى الموصوف أي: بدمعها الجاري, والظروف الثلاثة متعلِّقة بـتَجُدْ, يقول إنّ العين التي لم تبك على قتلك يوم واسط لبخيلة.

[4] قوله: [فإن قيل إلخ] إشارة إلى الاعتراض على قول المصـ لا إلى ما قصده من السرور وحاصله أنا لا نسلِّم أنه لا انتقال من جمود العين إلى السرور لأنّ الشاعر استعمل الجمود الذي هو خلوّ العين من الدمع حال إرادة البكاء في مطلق خلوّ العين من الدمع من قبيل استعمال المقيّد في المطلق ثمّ كنى به عن السرور من ذكر اللازم وإرادة الملزوم لأنّ خلوّ العين من الدمع لازم للسرور عادة فلا تعقيد فيه.

[5] قوله: [قلنا: هذا إلخ] جواب عن الاعتراض, وحاصله أنّ هذا التوجيه إنّما يصحِّح الكلام ويخرجه عن بطلان إرادة السرور بجمود العين ولكن لا يخرجه عن التعقيد المعنويّ لخَفاءِ القرينة الدالّة على أنه مستعمل في مطلق الخلوّ وخَفاءِ اللزوم بين مطلق الخلوّ والسرور لتحقّق كلٍّ منهما بدون الآخر.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

400