عنوان الكتاب: النور والنورق لأسفار الماء المطلق ومعها عطاء النبي لإفاضة أحكام ماء الصبي

غَسلها -بالفتح- فلا يكتفى على مجرّد البلة؛ لأنّها مسح، وجعل الله عزّ وجلّ وظيفة المسح والغَسل على حدة. ((إلّا ما حكي عن الإمام الثاني رحمه الله تعالى[1] وهو مؤولٌ كما تقدّم)). فبقاء الماء على سيلانه لازم قطعًا.

رابعًا: إجماع اللغة والعرف والشرع أنّ في الشيء المركب الحكم للغالب ((وقد قدّمناه عن المحقّق على الإطلاق في تعريف الخامس للماء المطلق)) وعلى هذا لما اختلط في الماء غيرُه بقدر أكثر منه فبحكم الإجماع لا يكون الأوّل قابلًا للوضوء.

خامسًا: إجماع العقل والنقل أنّ التعارض موجبٌ للتساقط، وعند اجتماع الحاظر والمبيح يغلب الحاظر، وعلى هذا لو اختلط الشيء الآخر في الماء بقدر مساوٍ له فلا يظلّ قابلًا للوضوء ((وقد تقدّم[2] في ٢٦٢)).


 

 



[1] وهو حاشية المؤلّف نفسه نقلتها دون أيّ تصرّف: ((وقال في "البناية": التوضّؤ بالثلج يجوز إنْ كان ذائبًا يتقاطر وإلّا فلا، ثمّ قال: وفي مسألة الثلج إذا قطر قطرتان فصاعدًا جاز اتّفاقًا وإلّا فعلى قولهما لا يجوز، وعلى قول أبي يوسف يجوز، انتهى.

أقول: ما كان ينبغي أنْ يقال قوله الموهم خلاف الواقع، فإنّما هي حكايةٌ نادرةٌ عنه وقد قال قبله في "البناية": السيلان شرط في ظاهر الرواية فلا يجوز الوضوء ما لم يتقاطر الماء، وعن أبي يوسف أنّه ليس بشرطٍ، انتهى. ثمّ الراوية مؤولة كما علمتَ ثمه، فلا ينبغي ذكرها إلّا بتأويلها كي لا يتجرّأ جاهل على مخالفة أمر الله تعالى متشبّثًا بها، انتهى منه غُفر له)).

[2] وهو حاشية المؤلّف نفسه نقلتها دون أيّ تصرّف: ((تقدّم هناك قول "الغنية" يضمّ إليه التيمّم عند المساواة، انتهى. وما تعقّبتُها به والآن رأيتُ في "البناية" حين أرسل إلى نقل هذا الباب منها بعض أصحابي مَن نصّه: حكي عن أبي طاهر الدبّاس أنّه قال: إنّما اختلف أجوبة أبي حنيفة رحمه الله تعالى لاختلاف الأسئلة فإنّه سئل عن التوضّؤ إذا كانت الغلبة للحلاوة، قال: يتيمّم ولا يتوضّأ، وسئل عنه أيضًا كان الماء والحلاوة سواء ولم يغلب أحدهما على الآخر، قال: يجمع بينهما، وقال السغناقي: وعلى هذه الطريقة لا يختلف الحكم بين نبيذ التمر وسائر الأنبذة، وسئل عنه أيضًا إذا كانت الغلبة للماء؟ فقال: يتوضّأ به ولا يتيمّم، انتهى.

أقول: الحلاوة إنْ لم تبلغ مبلغًا تجعله نبيذًا كانت مغلوبة، وإنْ بلغت فقد غلبت ولا واسطة بينهما، وأيضًا لا معنى التساوي الماء والحلاوة، فإنّ التساوي والتفاضل في كمين متجانسين فوجب أنّ المراد المساواة في الاحتمال، أي: لا يغلب على الظنّ أحد طرفي صيرورته نبيذًا أو بقائه ماء، بل يحتملان على السواء، فالحاصل حصول الشكّ والتردّد به عبر غيره، ففي "التبيين والفتح" عن "خزانة الأكمل" وفي "الحلية" عنها وعن غيرها: قال مشائخنا: إنّما اختلفت أجوبته رحمه الله تعالى لاختلاف المسائل، سئل مرّة إنْ كان الماء غالبًا؟ قال: يتوضّأ، وسئل مرّة إنْ كانت الحلاوة غالبة؟ قال: يتيمّم ولا يتوضّأ، وسئل مرّة إذا لم يدر أيهما الغالب؟ قال: يجمع بينهما، انتهى. هذا لفظ "الفتح"، وقال بعده: وعلى هذا يجب التفصيل في الغسل إن كان النبيذ غالب الحلاوة قريبًا مِن سلب الاسم لا يغتسل به، أو ضدّه فيغتسل إلحاقًا بطريق الدلالة، أو متردّدًا فيه يجمع بين الغسل والتيمّم، انتهى.

أقول: لا حاجة إلى الإلحاق مع بقاء الإطلاق، أمّا الذين اختلفوا في جواز الغسل به فصحّح في "المبسوط" الجواز، وصحّح في "المفيد" عدمه؛ لأنّ الجنابة أغلظ كما ذكره في "الفتح" بعده.

فأقول: كلامهم في ما صار نبيذًا وهو غير هذا التوفيق الأنيق، وعليه يضطرّ القائل بجواز الاغتسال به إلى إلحاقه بالوضوء دلالة لا قياسًا؛ لأنّ الجواز في نبيذ التمر معدول به عن سنن القياس، وما كان كذا يجوز الإلحاق به دلالة لا قياسًا، أمّا على هذا التوفيق فلا شكّ أنّ الوضوء والغسل سيان في جوازهما بالماء المطلق، فلا يجعل أحدهما أصلًا والآخر ملحقًا به، هذا ومثله لفظ "التبيين والحلية" إذا لم يدر أيّهما الغالب، فهذا في المشكوك دون المخالط المساوى قدرًا، فليس فيه ما يميل إلى ما في "الغنية" فتثبت، ولله الحمد.

أقول: ونظير هذا الاختلاف عن الإمام ما في الحديث أنّه سئل عن تقبيل الصائم عرسه فأجاز، فسئل أخرى فنهى، فإذا الذي أباه له شيخ، والذي نهاه عنه شباب، انتهى منه)).




إنتقل إلى

عدد الصفحات

253