القسم الثالث: أن يسأل عن شيء لم يوجبه الله عليه، ولا على غيره، وعلى هذا حمل الحديث لأنَّه قد يكون في السؤال ترتّب مشقة بسبب تكليف يحصل ولهذا قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وسكت عن أشياء رحمة لكم فلا تسألوا عنها))[1]. وعن علي رضي الله عنه: لَمَّا نزلت﴿ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗاۚ﴾ [آل عمران:٩٧]. قال رجل: أكُلَّ عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى أعاد مرّتين أو ثلاثاً، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وما يوشك أن أقول نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنَّما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن أمر فاجتنبوه، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسَۡٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ﴾ [المائدة:١٠١]))[2]، أي: لم آمركم بالعمل بها، وهذا النهي خاصّ بزمانه صلَّى الله عليه وسلَّم. أمَّا بعد أن استقرّت
[1] "فتح الباري"، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال...إلخ، ١٣/٢٢٧.
[2] "صحيح ابن خزيمة"، كتاب المناسك، باب ذكر بيان فرض الحج، ر:٢٥٠٨، ٤/١٢٩. ولفظه: فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت عنه حتى أعادها ثلاثا، فقال : ((لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، وقال: ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما أمرتكم بشيء، فأتوه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه)) قال: فأنزلت﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَسَۡٔلُواْ عَنۡ أَشۡيَآءَ إِن تُبۡدَ لَكُمۡ تَسُؤۡكُمۡ﴾ [المائدة:١٠١].