جسماً فلأنها لو کانت جسماً لکانت مرکبة من الهيولی والصورة؛ لِمَا مرّ. وأمّا أنه لا سبيل إلی الثاني؛ فلأنّها إذا کانت غير ذات وضع فإذا اقترنت بها الصورة الجسميّةُ، فإما أن لا تحصل في حيّز أصلاً، أو تحصل في جميع الأحياز، أو تحصل في بعض الأحياز دون بعض، والأول والثاني محالان بالبداهة، والثالث أيضاً محال، لأنّ حصولها في کل واحد من الأحياز ممکن، فلو حصلت في بعض الأحياز دون البعض يلزم الترجيح بلا مرجِّح وهو محال، ولا يلزم علی هذا أن الماء إذا انقلب هواءً أو علی العکس صار أَوْلی بِمَوضِع؛ لأنّ الوضع السابق يقتضي الوضع اللاحق، فلا يکون ترجيحاً بلا مرجّح.
فصل في الصورة النوعيّة
اعلم أنّ لکل واحد من الأجسام الطبعيّة صورةً أخرى غير الصورة الجسميّة؛ لأنّ اختصاص بعض الأجسام ببعض الأحياز دون البعض ليس لأمر خارج ولا للهيولی، فحينئذٍ إمّا أن يکون للجسميّة العامّة أو لصورة أخری، لا سبيل إلی الأوّل وإلّا لَاشترکت الأجسام کلّها في ذلك، فتعيّن الثاني، وهو المطلوب.
هداية: واعلم أن الهيولی ليست علة للصورة؛ لأنها لا تکون موجودة بالفعل قبل وجود الصورة لِمَا مرّ، والعلة الفاعليّة للشيء يجب أن تکون موجودة قبله، والصورة أيضاً ليست علةً للهيولی؛ لأنّ الصورة إنما يجب وجودها مع الشکل أو بالشکل، والشکل لا يوجد قبل الهيولی، فلو کانت الصورة علة لوجود الهيولی لکانت متقدّمة علی الهيولی، هذا خلف، فإذن وجود کل منهما عن سبب منفصل، وليست الهيول یغنية عن الصورة مِن کلّ الْوجوه، لما بيّنّا؛ أنها لا تقوم بالفعل بدون الصورة، وليست الصورة أيضا غنية عن الهيولى مِن كل الوجوه؛ لما بيّنّا؛ أنها لا توجد بدون الشکل المفتقر إلی الهيولی، فالهيولی تفتقر إلی الصّورة في بقائها، والصورة مفتقرة إلی الهيولی في تشکُّلها.
فصل في المکان
وهو إما الخلاء أو السطح الباطن من الجسم الحاوي المماسُّ للسطح الظاهر من الجسم المَحْوِيّ، والأوّل باطل فتعيّن الثاني، وإنما قلنا: الأوّل باطل؛ لأنه لو کان خلاء فإمّا أن يکون لا شيئاً محضاً أو بُعداً موجوداً مجرّداً عن المادّة، لا سبيل إلی الأول؛ لأنه يکون خلاء أقلّ من خلاء؛ فإن الخلاء بين الجدارين أقل من الخلاء بين المدينتين، وما يقبل الزيادة والنقصان استحال أن يکون لا شيئاً