عنوان الكتاب: هداية الحكمة

فَصْلٌ في إبطالِ الجُزءِ[1] الَّذيْ لا يَتَجَزَّأ[2]

لأنّا لو فرضنا جزءاً بين جُزئيْن، فإمَّا أنْ يکونَ الوسطُ مانِعاً مِن تلاقي الطَّرفيْن


 



[1] قوله: [إبطال الجزء] هذه المسألة وما بعدها من مباحث الهيولی والصورة والتلازم بينهما من الإلهيات؛ لأن هذا البحث عن تحقيق ماهية الجسم ووجوده، والباحث عن ماهية الشيء ووجوده العلم الإلهي. وليست من الطبعيات؛ لأن موضوعها الجسم الطبعي، والبحث في كل علم عن أحوال الموضوع وعوارضه الذاتية لا عن ماهيته ووجوده، كما يدلّ عليه حدّ الموضوع. فإن قيل: لِمَ أوردها ههنا؟ والمقصود ههنا البحث عن عوارض الجسم الطبعي, قلتُ: ذكرها ههنا علی سبيل المبادئ؛ ليكون للشارع في العلم الطبعي بصيرة في تحقيق المآرب، لكون كثير من المسائل الطبعية منوطاً علی ثبوت الهيولی وبطلان الجزء الذي لا يتجزّأ، فإن لم يذكر في أوائل الطبعيات، كان للمتعلم حيرة في درك تلك المسائل. (سعادت)

[2] قوله: [لا يتجزّأ] ويقال له الجوهر الفرد أيضاً وهو جوهر ذو وضع لا يقبل القسمةَ مطلقاً لا قطعاً ولا كسراً ولا وهماً ولا فرضاً والقسمة الوهميّة ما هو بحسب التوهم جزئياً والفرضيّة ما هو بحسب فرض العقل كليّاً. (الميبذي) اعلم أن في تحقيق ماهية الجسم اختلافات، فالمتكلّمون علی أنه مؤلّف من جواهر فردة لا تقبل القسمة أصلاً، والإشراقييون علی أنه جوهر بسيط متصل بذاته، والمشّاؤون علی أنه مؤلّف من جوهرين: أحدهما: جوهر قابل للصورة الجسميّة ليس في حدّ ذاته متصلاً ولا منفصلاً، ويقال له: الهيولی، والثاني: جوهر ممتدّ في الأقطار الثلاثة بذاته، ويقال له: الصورة الجسميّة، والمصنّف رحمه الله اختار مذهب الحكماء المشائين، فأبطل رأي المتكلّمين أوّلاً، ثمّ بعد ذلك أثبت تركيبه. ولهم في إبطال الجزء الذي لا يتجزأ براهين كثيرة، وأورد المصنف رحمه الله ههنا برهانين سهلين: تقرير الأوّل: أن الجسم لوكان مؤلّفاً من أجزاء لا تتجزّأ لكان جزء منها وسطاً وآخران طرفين، فنقول: الجزء الوسطاني إما أن يكون مانعاً من تلاقي الطرفين أو لا، فإن لم يكن مانعاً من تلاقي الطرفين كان الوسط داخلاً في أحد الطرفين، فلا يكون الوسط وسطاً, ولا الطرف طرفاً، وقد فرضنا الوسط والطرف، هذا خلف، وأيضاً التداخل محال؛ لأنّ اتحاد الجوهرين المتحيّزين بذاتهما -بحيث يصيران في الوضع والحجم شيئاً واحداً- محال عند العقل بالضرورة، ولو جاز دخول الأجسام بعضها في بعض لكان الماء الذي صبّ علی الإناء المملوء ماء دخل مع ذلك الماء في الإناء, وما فاض الماء من الإناء علی وجه الأرض، والتالي باطل بالشهادة، وإنْ كان مانعاً من تلاقي الطرفين فما به لاقى هذا الطرف غير ما به لاقى الطرف الآخر، فانقسم الجزء الوسط إلی قسمين: أحدهما ملاق لهذا الطرف، والثاني لذلك الطرف، وكذلك الطرفان أيضاً بما لاقى وبما لم يلاق.




إنتقل إلى

عدد الصفحات

118