عنوان الكتاب: دروس البلاغة

وقريب منه أن تبدّل الألفاظ بِما يضادّها في المعنى مع رعاية النظم والترتيب، كما لو قيل في قول حسّان:

بِيْضُ الوُجُوْهِ كَرِيْمَةٌ أَحْسَابُهُمْ
سُوْدُ الوُجُوْهِ لَئِيْمَةٌ أَحْسَابُهُمْ
.

 

شُمُّ الأُنُوْفِ مِنَ الطِرَازِ الأَوَّلِ
فُطْسُ الأُنُوْفِ مِنَ الطِرَازِ الآخِرِ
[[

ومنها: أن يأخذ المعنى ويغيّر اللفظ، ويكون الكلام الثاني

دع المكارم أي: دع طلبها لا ترحل لبغيتها البغية: بكسر الباء وضمّها بمعنى: الحاجة والطلب واقعد; فإنّك أنت الطاعم الكاسي أي: الآكل اللابس والمعنى: لست أهلا للمكارم والمعاني فدعها لغيرك واقنع بالمعيشة أي: مطلق الأكل والتستر باللباس ذر المآثر لا تذهب لمطلبها. واجلس; فإنّك أنت الآكل اللابس، هذا معقول; لأن يقال: فقد يدل كل لفظ من البيت الأوّل بمرادفه فإن ذر مرادف لدع والمآثر مرادف للمكارم ولا تذهب مرادف لاترحل ولمطلبها مرادف لبغيتها واجلس مرادف لاقعد والآكل مرادف للطاعم واللابس مرادف للكاسي وقريب منه أي: وقريب من تبديل الألفاظ بإيرادفها في القبح  أن تبدل الألفاظ بما يضادّها في المعنى مع رعاية النظم والترتيب; لقرب تناول ذلك  التبديل فكان في حكم تبديل الألفاظ بما يرادفها في كونه سرقة مذمومة، كما لو قيل في قول حسّان بن ثابت رضي الله تعالى عنه: بيض الوجوه كريمة أحسابهم شمّ الأنوف بضم الشين جمع أشمّ من الشمم: وهو ارتفاع قصبة الأنف مع استواء في أعلاه وهو صفة مدح عند العرب من الطراز الأول الطراز: العلم والمراد هاهنا: المجد أي: إنّهم من النمط الأوّل في المجد والشرف، هذا شعر سيدنا حسان رضي الله تعالى عنه، فلو قيل فيه: هذا الشعر سود الوجوه لئيمة أحسابهم فطس الأنوف من الطراز الآخر لكان تبديلا بالضدّ، كما هو الظاهر ومنها: أن يأخذ القائل الثاني المعنى ويغير اللفظ بحيث يدل على ذلك المعنى بوجه آخر حتّى يقال: هذا تركيب ï


 




إنتقل إلى

عدد الصفحات

239