فإن قيل: لم قلتم: إنه يستحيل ترتب أمور غير متناهية؟ قلنا: لأنا إذا أخذنا جملتين: إحداهما من مبدأ معين إلى غير النهاية، وأخرى مما قبله بمرتبة واحدة وأطبقنا الثانية على الأولى بأن يقابل الجزء الأول من الجملة الثانية بالجزء الأول من الأولى والثاني بالثاني، وهلم جراً، فإما أن تتطابقا إلى غير النهاية أو تنقطع الثانية، لا سبيل إلى الأول وإلا لكان الزائد مثل الناقص في عدد الآحاد، هذا خلف، فيلزم الانقطاع، فتكون الجملة الثانية متناهية والأولى زائدة عليها بعدد متناه، والزائد على المتناهي بعدد متناه يجب أن يكون متناهياً.
خاتمة في أحوال النشأة الأخرى
هداية(١) النفس بعد خراب البدن إما أن تفسد أو تتعلق ببدن آخر على سبيل التناسخ، أو تبقي موجودة بلا تعلق، لا سبيل إلى الأول؛ إذ النفس لا تقبل الفساد، وإلا لكان فيها شيء يقبل الفساد وشيء يفسد بالفعل؛ لأن الفاسد بالفعل غير القابل للفساد، فتكون مركبة، هذا خُلف، ولا سبيل إلى الثاني؛ لأن النفوس حادثة مع حدوث الأبدان فيكون التناسخ محالاً، ولأن البدن الصالح للنفس كاف في فيضان النفس عن مبدئها، فكل بدن يصلح أن يتعلق به نفس، فلو تعلق به نفس أخرى على سبيل التناسخ تعلق بالبدن الواحد نفسان مدبرتان له، وهو محال؛ إذ لا يشعر كل واحد من العقلاء من ذاته إلا نفساً واحدةً، فظهر القول ببقاء النفس بعد الموت بلا تعلق.
هداية(٢) اللذة: إدراك الملائم من حيث هو ملائم كالحلو عند الذوق، والنور عند البصر، والملائم للنفس الناطقة إنما هو إدراك المعقولات بأن تتمكن من تصور قدر ما يمكن أن يتبين من الحق الأول، وأنه واجب الوجود لذاته في جميع جهاته بريء عن النقائص، منبع لفيضان الخير على الوجه الأصوب، ثم إدراك ما يترتب عليه بعده من العقول المجردة والنفوس الفلكيّة والأجرام السماويّة والكائنات العنصرية، حتى تصير النفس بحيث يرتسم فيها جميع صور الموجودات على الترتيب الذي هو لها، وهذا الإدراك حاصل لها بعد الموت أيضاً، فتكون اللذة حاصلة بعد الموت. وإنما قلنا: إن هذا الإدراك حاصل لها بعد الموت؛ لأن النفس لا تحتاج في تعقلاتها إلى الآلة الجسدانية، فيكون تعقلاتها حاصلة بعد الموت، وعدم حصولها حالة تعلق النفس بالبدن إنما كان لقيام المانع، وهو التعلقات البدنية والعلائق الجسمانية.