رأيتَ مِمَّن ضلّ عن الحق بهذا القدر ولا مستند له سواه. وإذا قيل له: الحاذق في صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقاً في كل صناعة، فلا يلزم أن يكون الحاذق في الفقه والكلام حاذقاً في الطب، ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلاً بالنحو، بل لكل صناعة أهل بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق، وإن كان الحمق والجهل يلزمهم في غيرها، فكلام الأوائل في الرياضيات برهاني وفي الإلهيّات تخمينيّ، لا يعرف ذلك إلا مَن جرّبه وخاض فيه. فهذا إذا قرر على هذا الذي ألحد بالتقليد لَمْ يقع منه موقع القبول، بل تحمله غلبة الهوى، والشهوة الباطلة، وحُبّ التكايس على أن يصرّ على تحسين الظن بهم في العلوم كلّها. فهذه آفة عظيمة لأجلها يجب زجر كل من يخوض في تلك العلوم، فإنها وإن لم تتعلق بأمر الدين، ولكن لمّا كانت من مبادئ علومهم يسرى إليه شرهم وشؤمهم، فقلّ مَن يخوض فيها إلا وينخلع من الدين وينحل عن رأسه لجام التقوى. الآفة الثانية: نشأت مِن صَدِيْق للإسلام جاهلٍ، ظنّ أن الدّين ينبغي أن يُنصَر بإنكار كل علم منسوب إليهم، فأنكر جميع علومهم وادّعى جهلهم فيها حتى أنكر قولهم في الكسوف والخسوف، وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرع فلما قرع ذلك سمع مَن عرف ذلك بالبرهان القاطع، لم يشكّ في برهانه ولكن اعتقد أن الإسلام مبني على الجهل وإنكار البرهان القاطع، فازداد للفلسفة حُباً وللإسلام بغضاً، ولقد عظم على الدين جنايةً مَن ظنّ أن الإسلام يُنصَر بإنكار هذه العلوم، وليس في الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفي والإثبات، ولا في هذه العلوم تعرض للأمور الدينيّة. وقوله صلى الله